ميراث الدم والنار يؤجج قضايا الثأر فى صعيد مصر

تقرير اعدة علاء حمدي قاعود
إن الكوارث لم تتوقف منذ بدء الخليقة وفي كافة أنحاء العالم ولا يمكننا في الواقع الحيلولة دون وقوع حوادث كالزلازل والأعاصير ولكن في وسعنا الحد من احتمال تحولها إلي كارثة لكن الأخطر من الكوارث الطبيعية فهو ما يسبَّبه الإنسان لغيره من مِحَنٍ تحوَّل حياته إلي جحيم متواصل فتهدم كل بناء وتقف عائقا أمام التنمية بشتى أنواعها إنها كارثة ( الثـأر ) التي ظلت جاثمة على صدر محافظات صعيد مصر التي تحيا ليل ونهار تؤججها ريح الأصالة وتذكيها رائحة التمسك بالعقيدة فهو دائما ما يعكر صفو هذه الحياة الوادعة بأصوات الرصاص التي تشق سكون الليل ونواح وعويل يملأ الأفق فالثأر سرطان مزمن في شريان الوطن ينتج عنه خسائر مادية وبشرية جسيمة تفوق قدرة وإمكانيات أجهزة الدولة المختلفة عند التعامل معها .

ومن هنا يلزم هذا العرف القاسي وجود السلاح الذي يعتبر في منزلة الولد عند الصعيدي كما يوجد في الصعيد مجموعة من التقاليد الراسخة والمتعلقة ما يسمي بالقودة وتعني أن القاتل قد اقتيد لأهل القتيل ليفعلوا به ماشاءوا وطقوس القودة في معظم قرى الصعيد متشابهة وبرغم تشابه ظروف القودة في معظم قري الصعيد إلا انه تختلف الآن عن فترة سابقة حيث ظهرت في مصر طريقة جديدة للقودة منذ الثمانينيات وهى تعني الحياة التي تأخذ شكل الأمل والاستمرار في الرضوخ لإحكام من يقبل الصلح وهى هيئة الموت المتعمد الواضح وهناك أيضا في نفس الموضوع الجودة التي تكون بتعطيش الجحيم و هي ان الطريقة الحالية تسمي المدرسة الرابعة للقودة وكانت المدرسة الأولي تسمي مدرسة العبابدة نسبة إلى قبائل العبابدة وهى مدرسة تجبر القاتل على أن يحمل القودة وهو عريان وان يكون ملفوفا بالكفن وان يكون حافي القدمين حليق الرأس وان يكون مجرورا من رقبته وهذه المدرسة كان لها شيوع في صعيد مصر من الأربعينيات حتى نهاية الستينيات من القرن الماضي وهى كانت مدرسة قاسية لاتراعى الوضع الانسانى للقاتل بل تجبره على أن يسير مسافة 3كيلو متر مشيا على الاقدام حتى وصوله إلى ديوان بيت القتيل وهى مدرسة تجبر القاتل على التخلي عن قبيلته والانضمام إلى قبيلة القتيل نظرا لأنه هو المتسبب في إخلاء القبيلة من ولدها لذلك عليه أن يملأ فراغ القتيل بل يجبرونه على الزواج منهم ويعطونه ما يتعايش منه ويصبح هذا الشخص ملكهم وإذا مات يدفنونه في مقابرهم ويقيمون له سرادق العزاء بل إذا قٌتل يؤخذ بثأره إما المدرسة الثانية وهى مدرسة إقليم أدفو بأسوان في أقصي جنوب مصر وبعض قرى قنا الجنوبية وهى مدرسة تجبر القاتل على أن يرتدى الجلباب الأسود القصير اى فوق الركبة ويكون حافي القدمين حليق الرأس مجرور الرقبة وهذه المدرسة لايوجد فيها زواج للقاتل من أهل القتيل نظرا لأنها مدرسة أخذت حيز مكاني لقبائل لا تسمح لبناتها للزواج من غريب ولكن توجد فيها إقامة للقاتل عند أهل القتيل ولكن دون اختلاط بهم إما المدرسة الثالثة في مدرسة ( الأسرة الدندراوية ) وهى التي أرساها الأمير العباس الدندراوى وهى مدرسة تُجبر القاتل على أن يقدم القودة وهو مرتدي الجلباب الأسود المقلوب وان يكون مجرورا من رقبته وحافي القدمين وهذه المدرسة تقوم باعدال الجلباب الأسود للقاتل حين يقف أمام أهل القتيل وفلسفة هذه المدرسة تقوم على أساس أن اعدال الجلباب للقاتل نوع من اعدال هيئته وحاله من الممات الذي كان ينتظره إلى الحياة والأمل في البقاء في الدنيا واخير المدرسة الأخيرة التي أصبحت أكثر احترام للوضعية الإنسانية لمظهر القاتل الحسى الظاهر للعيان وهو يحمل القودة قطعة القماش الكفن بدلا من مظهره الذي لا يحترم إنسانية من يقدم كفنه في المدارس القديمة.

فيوجد في محافظات صعيد مصر عدد كبير من قـراها ومراكزها انتشرت الفوضى بها نتيجة شبح الثأر
في النهاية يظل الثـأر شرخ متجدد في جدار الوطن لذا لابد من التصدي لهذه العادة الاجتماعية المتخلفة التي تهدر القانون وتنافى قيم التحضر والإنسانية من خلال تضافر كل الجهود المخلصة من الحكومة والجامعات المختلفة والقضاء على الأسباب التي أدت إلى انتشارها كما لابد من أن نهتم بالتعليم الجاد وخلق فرص عمل وتنمية المجتمعات المحلية وتطوير الخطاب الديني بشكل فعال ومشاركة الإعلام مشاركة فعالة فى القضاء على هذه الظاهرة و ضرورة القضاء على تجارة السلاح ففي غياب هذه التجارة تنحصر هذه الظاهرة كما لابد من وجود امني مكثف لسرعة القضاء على أى خلاف ينشب بين العائلات حتى لا تتطور الأمور إلى القتل لان اغلب المصالحات تنجح بنسبه كبيرة وهناك حالات تفشل فيها المصالحة بسبب تجاهل اللجان للمرأة لان المرأة هي السبب الرئيسي فى انتشار الظاهرة لذلك من الضروري التركيز علي أهمية تعليم المرأة حيث أن تعليمها بمثابة تعليم أسرة بل جيل بالكامل وخاصة أن المرأة في حالة أميتها تلعب دورا كبيرا في أثارة حمية الرجال في الإسراع بالأخذ بالثأر‏.‏

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى