المفكر الإسلامي ابن المقفع من دعاة التنوير والتجديد في العالم [ 2 ]
بقلم/ عبد العزيز فرج عزو [ كاتب وباحث ]
وما زال الحديث موصول حول موضوع المفكر الإسلامي ابن المقفع من دعاة التجديد والتنوير في العالم
ونقول الآتي::-
ولذلك يقول الدكتور حسين مروة في كتابه [ دراسات في الفكر والأدب عن الأديب ابن المقفع ] (ص74)
ما نصه [ابن المقفع أديب كبير كان لفكره ولأدبه فعلاهما الكبيران في مجتمع العصر العباسي الأول وإن المسألة الاجتماعية ــ السياسية تسرّبت إلى فكره وأدبه خلال العلاقة مع نفسها التي لم يستطع هذا الكاتب الرائد أن يفلت من حضورها في كتاباته الإبداعية ولم يستطع كذلك أن يخبِّئها وراء الرمز في (كليلة ودمنة) ولا وراء الكلام النظري والتجريدي في كتابيه: (الأدب الصغير) و(الأدب الكبير)، وتتجلّى خطورة هذا الدور الذي اضطلع به ابن المقفع فيما يثيره في المجتمع العربي في الميدان الثقافي من مسائل أدبية واجتماعية وسياسية ومنها الصلة بين الأديب والمجتمع
فكان ذلك دافعاً لوضع كتابه (كليلة ودمنة) وفي ذلك إعلاء لشأن الأدب والأديب وتنزيه الكلمة من أن تطرح للبيع في بلاط الخلفاء والأمراء فكان ابن المقفع واعياً لدوره الريادي مدركاً بأنه صاحب رسالة يقتضي تبليغها ركوب الأخطار فليس خافياً ما يشكّل هذا العمل الفكري أو الفكر العملي لمنحاز إلى مصالح الشعب من خطورة على السلطات الاستبدادية في زمن الدولة العباسية والأموية وتقول الأستاذة حنان مفيد فوزي الكاتبة بجريدة المصري اليوم في جزء من مقال عن ابن المقفع رحمه الله نشر لها بالجريدة المذكورة يوم الخميس 7 ديسمبر 2017
بعنوان [ ابن المقفع الذي انفقع منهم ] ما نصه::-
ومن الأقوال التي استوقفتني تساؤله عن أعقل الأمم وأكثرها ذكاءً على وجه الأرض، وإليكم بعضاً من مقطوعاته فى عالم التفاسير «ترى مَن أعقل الأمم فى الأرض؟، هل هم الفرس؟ أقول كلا، فهم قوم علموا فتعلموا ومثل لهم فامتثلوا، ليس لهم استنباط ولا استخراج. هل هم الروم؟ كلا، فهم أصحاب أبدان وثيقة وبناء وهندسة لا يعرفون سواهما. هل هم الصينيون؟ كلا، فهم أصحاب أثاث وصنعة لا أصحاب فكر ورؤية. أما الترك فهم سباع للهراش تسبق أفعالهم عقولهم. وأخيراً الهنود هم أصحاب شعوذة وحيلة ليس لهم فى العلم وسيلة واستطرد في خطبته الدفاعية قائلاً: «أعقل الأمم هم العرب، إذ لم يكن لهم تؤمه ولا كتاب يدلهم، أهل بلد قفر ووحشة فى الإنس، لجأ كل منهم فى وحدته
إلى فكره ونظره وعقله وعلموا أن معاشهم من الأرض فوسموا كل شىء بسمته وأوقاته وزمانه، ثم علموا أن شربهم من السماء فوضعوا لذلك الأنواء واحتاجوا إلى الانتشار فى الأرض فجعلوا النجوم أدلة على أطراف وجهها ثم جعلوا بينهم شيئاً ينهاهم عن المنكر ويرغبهم فى الجميل ويحضهم على المكارم، ليس لهم كلام إلا الحث على اصطناع المعروف ثم حفظ الجار وبذل المال وابتغاء المحامد، وكل هذا يصيبونه بعقولهم ويستخرجونه بفطنتهم وعلى فطرتهم بما لديهم من طباع مؤدبة وعقول مدركة، لذلك أقول واثقاً إن العرب أعقل الأمم لصحة الفطرة واعتدال البنية وصواب الفكر وذكاء الفهم وإلى هنا تنتهي فقرتنا من برنامج كان ياما كان الحب مالى بيتنا ومِدفينا الحنان، وفجأة زَارنا الزمان سرق منا فرحتنا والراحة والأمان فيا صاحب[ كليلة ودمنة ] فلتحمد الله على انتقالك إلى الرفيق الأعلى قبل أن تنفقع منهم، فبعد ألف ومائتي عام لم يعد فى العرب شىء مما ذكرت، فقد هجروا الصحراء النقية والليالي القمرية وتطاولوا فى البنيان وعاشوا حياة ترف وتخمة، ولم يعد وقتهم يسمح بالتأمل لفرط انخراطهم فى الرفاهيات الدنيوية، لم يعد لديهم فكر سديد ولا عقل مجيد ولا صنعة تغنيهم عن سؤال الأمم، يستوردون ولا يصدرون، يستهلكون ولا ينتجون، من الآخر تحولت مكارم الأخلاق من فطرة إلى ديكور مظهري وانقلبت الشجاعة إلى تخاذل والعزة إلى تواكل والنخوة إلى تراجع ونحن بالمثل لم نعد دولاً عديدة وفرقاً بديدة بعدما تحولنا رغم كثرتنا مجرد غثاء كغثاء السيل، الأمور تغيرت والأحوال تبدلت، فالفرس صاروا أصحاب رؤية وبرامج نووية والروم توحدوا في قارة أوروبا التي تقود العالم في النزاهة وسياسة اللباقة وأبناء الصين صاروا السابقين في الإنتاج بعدما أصبحت الصين ورشة العالم تحقق نموا اقتصاديا يفوق أسواق دول العالم الأول، والأتراك اجتذبوا السياح من كل مكان عبر مسلسلاتهم الألف ليلة رغم ما خلف الكواليس من اضطراب سياسي وأخيراً الهنود أصبحوا أرباب تقنية
وعقول مبرمجة وإنتاج ضخم ينافس هوليوود، فليبارك الله للجميع وليساعدنا نحن على لم الشمل العربي، فاجتماعنا ليس في تكاتف دولتين أو ثلاث أو خمس دول وإنما بالتحامنا جميعاً بالاتحاد والنظام والعمل واقفين بثبات على خط استواء واحد فى مواجهة من لا يعى قيمتنا وقوميتنا وعلى الإله القوى الاعتماد]
لقد قتل ابن المقفّع رحمه الله تعالي وهو في مقتبل العمر، ولم يتجاوز عمره السادسة والثلاثين عند موته
إلا انه خلّف لنا من الآثار الكثيرة ما يشهد على سعة عقله وأخلاقه الطيبة وكرمه وعبقريته، فهو كاتب خلده التاريخ
كأحد أبرز الكتاب العرب وانه صاحب المدرسة الرائدة في النثر
وبالرغم من وفاته في سن مبكرة فإنّ عبد الله بن المقفع ترك أثراً كبيراً عند العرب وغيرهم من الشعوب
ولا يزال هذا التأثير مستمراً حتى يومنا الحاضر. وقد عمًت شهرته الدنيا.. وكل ذلك بفضل علمه الواسع الذي ملأ قلبه وعقله
ولابن المقفّع أقوال وحكم عديدة منها الآتي::-
1- عمل البر خير صاحب.
2- المصيبة الكبرى الرزيّة في الدين.
3- من ألزم نفسه ذكر الآخرة اشتغل بالعمل.
4- الاعتراف يؤدي إلى التوبة.
وغيرها من أقوال أخري عظيمة.
ومن مؤلفات ابن المقفع رحمه الله الآتي::-
1- كتاب رسالة ابن المقفع في الصحابة.
هذا الكتاب يعرض فيه النصائح الطيبة للخلفاء والحاشية وغيرها
2- كتاب الأدب الكبير.
هو كتاب يتضمن أبواباً من الأصول والآداب، والتمسك بالأخلاق الحميدة والجميلة
واجتناب الذنوب والكبائر وطلب الحلال والتفقه في الدين والعبادة وإتقان العمل في الحياة
ومعاملة الناس بالرحمة والأخلاق الحسنة.
3- كتاب الأدب الصغير.
وهو كتاب يوضح فيه أيضا أن تمسك الناس بالأخلاق الحميدة
وأساس نجاح الأمم في الحياة وفيها رضا الله تعالي عليهم أيضا.
4- كتاب كليلة ودمنة.
هو كتاب هادف يحتوي على الكثير من الحكمة، وكان له الأثر الكبير في الأدب العربي
وسائر الآداب منذ أن ترجمه عبد الله بن المقفّع من اللغة الفارسية إلى اللغة العربية
وقد وردت كلمات الكتاب من أوله إلي أخره على ألسنة الطير والحيوان وتقديم النصح
للملوك والحكام والناس عامة بهدف تقديم النصح والدعوة إلى الفضيلة عن طريق ما يجري على ألسنة الحيوانات والطيور وغيرهما من كتب أخري.
فما أحوجنا نحن العرب والمصريين والعالم اليوم إلي رجل صادق مثل ابن المقفع فقد استشهد في سبيل كلمة الحق ونشر قيم الفكر السليم والانطلاق نحو نشر ثقافة التحضر والرقي بالإنسان في كل مجالات الحياة دون إقصاء لكل من يعيش علي الأرض وبذلك ينعم الناس بالسلام والخير الدائم دون منغصات من قوي الشر في كل مكان
توفي الأديب والمفكر الإسلامي عبد الله ابن المقفع رحمه الله سنة 756 ميلادية الموافق 142 هجريا ودفن بمدينة البصرة بدولة العراق رحمه الله تعالي وأسكنه فسيح الجنة.