دكتورة نادية حلمى تكتب : (علاقة الصين وروسيا بإختراق اللوبيات اليهودية والإسرائيلية الأمريكية لدعم الأجندة الشيوعية داخل واشنطن)
– العناصر الرئيسية للتحليل المستقبلى للباحثة المصرية:
– أولاً: أسباب تسجيل (لوبيات الشرق الأوسط الشيوعية فى الولايات المتحدة الأمريكية) فى وثائق قاعدة البيانات التابعة لوزارة العدل الأمريكية
– ثانياً: هل سعت واشنطن فعلياً (بمساعدة اللوبيات اليهودية والإسرائيلية) لإستدراج الشيوعيين العرب داخلها لمنع النفوذ الشيوعى الصينى والروسى فى الشرق الأوسط؟: العراق نموذجاً
– ثالثاً: تأسيس أحزاب صينية ليبرالية ديمقراطية فى الولايات المتحدة الأمريكية وسماح الحزب الشيوعى الصينى لها بممارسة أنشطتها بشكل قانونى مشروع داخل الصين حتى اليوم: حزب (تشيقونغدانغ) الصينى نموذجاً
رغم غرابة هذا التحليل السابق للباحثة المصرية، إلا أنها إستندت إليه من خلال ثبوت علاقة (اللوبيات اليهودية فى الولايات المتحدة الأمريكية بالشيوعيين المعارضين فى إيران والشرق الأوسط)، ومن هنا جاء تساؤل الباحثة المصرية، حول:
هل للصين وروسيا دوراً فى دعم إستقطاب الشيوعيين المضطهدين من داخل إيران والشرق الأوسط عموماً وزرعهم داخل واشنطن وتسهيل ورسم خطة علاقاتهم مع اللوبى الصهيونى ومختلف اللوبيات اليهودية داخل الولايات المتحدة الأمريكية نفسها وإختراق كافة الدوائر الرسمية الأمريكية، لتقديم الشيوعيين فى الشرق الأوسط كمضطهدين فى أوطانهم فى الشرق الأوسط؟
وبالتالى، يقوم (اللوبى اليهودى وكافة المؤسسات اليهودية والإسرائيلية المعروفة فى الولايات المتحدة الأمريكية بتقديم هؤلاء الشيوعيين الفارين من أوطانهم إلى المؤسسات الأمريكية الكبرى كشيوعيين مضطهدين فى الشرق الأوسط). ويبقى السؤال الأخطر لدى الباحثة المصرية، بشأن:
(ولماذا أختار الشيوعيين واليساريين المضطهدين فى إيران والشرق الأوسط الفرار إلى قلب واشنطن كقوة عظمى ترعى الليبرالية حول العالم والأشد حزماً وصرامة فى مواجهة تدفق الأفكار الشيوعية)…. وهل للأمر علاقة بالسياسات المستقبلية الروسية والصينية للتغلغل داخل واشنطن نفسها وإختراق الفكر الشيوعى للوبيات اليهودية بالداخل الأمريكى عبر (لعبة نشر الأيديولوجية الشيوعية الصينية والروسية داخل كبرى المؤسسات السياسية الأمريكية).
وربما كونه تحليل عالمى جديد لم يتناوله أى بحث عربى بالتحليل والدراسة، إلا أن ما جذب إليه الباحثة المصرية هو تخصصها الدقيق ودراستها للدكتوراه عن الشأن السياسى الصينى، ودور الحزب الشيوعى الصينى فى قضايا الإصلاح السياسى والإقتصادى، وبالتالى إمتداد إهتمامات الباحثة المصرية بدراسة تاريخ الشيوعيين حول العالم، ولاسيما الأقرب لمنطقة الباحثة المصرية فى الشرق الأوسط وإسرائيل وإيران وتركيا كقوى إقليمية تسعى لدعم أو إكتساب نفوذها من خلال آليتين لا ثالث لهما، إما:
أ) بالقرب من واشنطن وأفكارها الليبرالية، ونبذ الأفكار والعقيدة الشيوعية الصينية والروسية
ب) أو بتحدى واشنطن وممارسة ضغط نحوها بالتقارب مع شيوعيى روسيا والصين، وبالتالى تحدى تلك الأفكار الليبرالية والقيم الديمقراطية الأمريكية التى تسعى واشنطن على الدوام للترويج لها عالمياً.
وحتى لا يتهمنى البعض برسم ملامح لعلاقات غير معقولة أو غير متصور حدوثها بين (الشيوعيين واللوبى اليهودى فى واشنطن عبر دعم الصين وروسيا معاً)، ثم التساؤل الذى راودنى حول:
ما موقف الولايات المتحدة الأمريكية ومؤسساتها من اللوبيات اليهودية بداخلها من وقائع الإختراق الشيوعى الصينى ثم الروسى لمؤسساتها بمساعدة ودعم وثيق من قبل اللوبيات اليهودية والإسرائيلية الأكثر صلة وقرباً من الإدارة الأمريكية وكبرى المؤسسات الأمريكية ذاتها؟
– وبناءً على تلك التساؤلات، ستقوم الباحثة المصرية بتحليل العناصر الرئيسية التالية لفهم تلك العلاقات العالمية الجديدة التى لم يتم البحث عنها أكاديمياً وبحثياً عالمياً، من خلال:
– أولاً: أسباب تسجيل (لوبيات الشرق الأوسط الشيوعية فى الولايات المتحدة الأمريكية) فى وثائق قاعدة البيانات التابعة لوزارة العدل الأمريكية
ربما جاء مشروع (الحج إلى واشنطن)، والمعنى بتغطية أنشطة لوبيات الشرق الأوسط فى الولايات المتحدة، ومعظم المعلومات الواردة فى التقرير تستند لوثائق من قاعدة بيانات تابعة لوزارة العدل الأمريكية، تتبع لقانون (تسجيل الوكلاء الأجانب)، والذى يعرف بإسم “فارا”، والذى يلزم جماعات الضغط بالإفصاح عن أنشطتها وأموالها، وكل الوثائق متاحة للتصفح على الإنترنت.
ومن خلال تتبع الباحثة المصرية للتقرير الأمريكى السابق، تمكنت من إيجاد علاقة جديدة تثبت تسجيل (شيوعيين من الشرق الأوسط بصفتهم لوبيات مستقلة فى وزارة العدل الأمريكية، وتثبت علاقاتهم بلوبيات اليهود وإسرائيل فى الداخل الأمريكى ذاته).
وبالنظر للأرشيف الأمريكى السابق الخاص بسجلات الشيوعيين، سنجد أن (وثائق وزارة العدل الأمريكية تشير صراحةً إلى النشاط السياسى الكثيف للأحزاب الشيوعية المعارضة فى الشرق الأوسط داخل واشنطن بمساعدة اللوبيات اليهودية والإسرائيلية).
وبتتبع علاقات الشيوعيين فى واشنطن، سنجد أنه وفقاً للبيانات الأمريكية الرسمية الصادرة عن وزارة العدل الأمريكية، سنجد تسجيل بناء علاقات بين الأحزاب الشيوعية الشرق أوسطية فى واشنطن وبين الولايات المتحدة، وبناء شبكات تأثير مع سياسيين فى الكونغرس الأمريكى والخارجية الأمريكية ذاتها، مع تواصل تلك الأحزاب الشيوعية مراكز أبحاث يمينية الميول فى الداخل الأمريكى، ولها علاقة خاصةً مؤثرة وفقاً لقاعدة البيانات الأمريكية التابعة لوزارة العدل الأمريكية مع (اللوبى الإسرائيلى فى واشنطن). ومن هنا، تقدم التقارير الأمريكية الرسمية نفسها صورة شاملة ومفصلة عن أنشطة الأحزاب الشيوعية واليسارية القادمة من الشرق الأوسط كالحزب الكردى المعارض للسياسات الإيرانية فى عالم اللوبيات.
فالوثائق تشير لتعاقد (الحزب الكردى الشيوعى المعارض لإيران) مع (آى إف إنترناشيونال) لإختراق أروقة واشنطن ذاتها عبر بوابة اللوبيات اليهودية والإسرائيلية فى واشنطن.
وتشير ملفات وزارة العدل الأمريكية عن تفويض تلك الأحزاب الشيوعية المعارضة لممثلين رسميين لأحزابها فى أمريكا لتأسيس علاقات وثيقة مع الحكومة الأمريكية بمساعدة اللوبى اليهودى القوى والأكثر تأثيراً بمساعدة إسرائيل، وعلامة الإستفهام الأكثر دلالة هو تزايد مجموع مدفوعات تلك الأحزاب الشيوعية الشرق أوسطية فى الداخل الأمريكى لآلآف الدولارات شهرياً، متضمنةً نفقات إفتتاح مكاتب تمثيل لأحزابها هناك.
فعلى سبيل المثال نجد وثيقة صادرة عن وزارة العدل الأمريكية فى ٢ يناير ٢٠١٩، بتعاقد (الحزب الشيوعى الكردى المعارض فى سوريا وإيران) مع شركة (آى إف إنترناشيونال – Af International)، كشركة ضغط أمريكية دولية معروفة، ومن بين زبائنها المعروفين فى الشرق الأوسط:
مجلس سوريا الديمقراطية، وهو الجناح السياسى لـ (قوات سوريا الديمقراطية)، والمعروفة بإسم “قسد”، كإحدى أكبر الفصائل الكردية المسلحة المتمركزة فى شمال سوريا والمدعومة أمريكياً.
وتتلخص الخدمات التى تقدمها شركة (آى إف إنترناشيونال – Af International) بشكل رئيسى لتلك الأحزاب الشيوعية واليسارية العربية والشرق أوسطية والإيرانية والكردية المعارضة فى أوطانها فى الشرق الأوسط فى:
١) التواصل والضغط على الكونغرس، خاصةً مع موظفى الكونغرس العاملين بلجان الخارجية والقوات المسلحة.
٢) التواصل نيابةً عن تلك الأحزاب الشيوعية واليسارية مع مراكز أبحاث ذات توجهات يمينية بشكل عام، أو ممولة من اللوبى الإسرائيلى ومناصرة له.
٣) بالإضافة لحرص شركة (آى إف إنترناشيونال – Af International) على تسهيل تواصل الأحزاب والحركات الشيوعية من الشرق الأوسط مع أكبر لوبى إسرائيلى معروف عالمياً فى واشنطن، والمعروف بإسم (أيباك)، ولجنة الشؤون العامة الأمريكية – الإسرائيلية.
ويملك شركة شركة (آى إف إنترناشيونال – Af International) المواطن الأمريكى اليهودى المعروف (آيال فرانك)، وهو مستشار سياسى عمل لصالح أحزاب سياسية، وله خبرة طويلة فى مجال الضغط السياسى، إذ عمل “آيال فرانك” سابقاً بشركات كبرى مثل (ميركورى – Mercury(، و (شركة – Qorivs)، كما عمل مساعداً تشريعياً فى الكونغرس بين عامى ٢٠٠٠ – ٢٠٠٢.
وقد بلغ مجموع مدفوعات الأحزاب الشيوعية واليسارية من الشرق الأوسط للشركة الأمريكية السابقة آلاف الدولارات شهرياً، وذلك بحسب وثائقها الموثقة والمسجلة فى (وزارة العدل الأمريكية).
– ثانياً: هل سعت واشنطن فعلياً (بمساعدة اللوبيات اليهودية والإسرائيلية) لإستدراج الشيوعيين العرب داخلها لمنع النفوذ الشيوعى الصينى والروسى فى الشرق الأوسط؟: العراق نموذجاً
تعد قضية تغلل النفوذ الشيوعى فى الشرق الأوسط بشكل عام وفى العراق بشكل خاص واحدة من أهم القضايا التى نالت إهتمام الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك للموقع الإستراتيجى الهام للعراق فى الشرق الأوسط، بإعتباره أحد أهم مراكز إنتاج البترول فى المنطقة والعالم، فبالرغم من وجود العراق ضمن الحسابات الإستراتيجية الأمريكية قبل الحرب العالمية الثانية إلا أن دخول أمريكا بشكل كبير فى العراق بدأ فعلاً بعد (ظهور الشيوعيون على الساحة السياسية العراقية) بعد ثورة عام ١٩٥٨، وتلك معلومة أغفلتها ولم تلتفت إليها معظم البحوث والدراسات العربية والعالمية.
ثم بدأ الثقل السياسى للحزب الشيوعى فى العراق يضعف بعد إستلام البعثيين للسلطة أثر حركة ١٨ نوفمبر ١٩٦٣، إلا أنه ونتيجة الإعتقالات المكثفة والملاحقات المستمرة لأفراد الحزب الشيوعى العراقى وتنظيماته، خمدت الحركة الشيوعية واليسارية العراقية وإن لم تنتهى أو تمت تماماً.
وخلال حرب ١٩٦٧ بين العراق وإسرائيل ودخول العراق فيها، حاول الإتحاد السوفيتى التقارب أكثر من العراق، ولكن الثقل الأمريكى كان أقوى مما سبب إنهيار حكم (عبد الرحمن عارف) فى عام ١٩٦٨، وإخلاء الساحة السياسية العراقية من الشيوعيين بشكل نهائى تقريباً.
وكان مما لفت إنتباه وفضول الباحثة المصرية، هو ما صرح به العديد من الرؤساء الامريكان مراراً بشأن “إستعدادهم خوض غمار حرب عالمية ثالثة إذا إضطروا لذلك حتى لا يكون العراق أو الشرق الأوسط فى العموم موطأ قدم للشيوعية”.
ومن هنا، جاء توقف الباحثة المصرية عند تلك العبارة السابقة بحثاً وتحليلاً، بشأن:
“بحثها عن أسباب غياب الشيوعيين العراقيين والأكراد والإيرانيين والعرب”
ثم فجأة توقف الباحثة المصرية عند تواجد أحزاب شيوعية عربية وإيرانية وكردية ومعارضة سورية فى الداخل الأمريكى ذاته، مما إستدعى لدى الباحثة المصرية فرضية نظرية:
هل سعت أمريكا للتخلص من نفوذ الشيوعيين واليساريين العرب وبالأخص العراقيين، والإيرانيين والأكراد والأتراك فى الشرق الأوسط فى مواجهة الإتحاد السوفيتى ثم لاحقاً روسيا بعد تفككه والصين، بدعوتهم – أى شيوعيى منطقة الشرق الأوسط – إلى داخل الولايات المتحدة الأمريكية نفسها وتسهيل ذوبانهم غير المعلن فى الأجندة الفكرية الليبرالية الأمريكية ثم الإنتظار مرة أخرى لإستخدامهم ضد النفوذ الصينى والروسى فى الشرق الأوسط مرة أخرى؟
ثم تفكير الباحثة المصرية فى فرضية نظرية أخرى غير مطروحة بالمرة، ألا وهى:
هل سعت روسيا والصين عبر اللوبيات اليهودية والإسرائيلية فى الداخل الأمريكى ذاته لإعادة إستقطاب هؤلاء الشيوعيين الفارين من أوطانهم فى الشرق الأوسط مرة أخرى وتجنيدهم لخدمة مصالحها فى الولايات المتحدة الأمريكية فى مواجهة واشنطن ذاتها؟
وهو ما يمكن أن تطلق عليه الباحثة المصرية نظرية (اللعب باللعب أو رد اللعبة بلعبة أخرى)
ولعل كان أهم ما إستندت إليه فى تحليلى السابق هو (تواجد عشرات الأحزاب الشيوعية واليسارية العربية والإيرانية والكردية والتركية المعارضة فعلاً فى الداخل الأمريكى)، وبروز أسماء شيوعية، وبالأخص كردية وإيرانية وسورية مرة أخرى كنخب مؤثرة وذات نفوذ فى واشنطن ذاتها.
وأعتقد أن (لعبة الإختراق الشيوعى الصينى والروسى للداخل الأمريكى هى لعبة منطقية تماماً من وجهة نظرى)، فهى ليست لعبة مستبعدة كما سيتهمنى البعض، بعد أن باتت النخب السياسية الأمريكية وأبرز الساسة الأمريكان يوجهون أصابع الإتهام تماماً إلى (فساد الحزب الشيوعى الصينى الحاكم، والحديث عن الحرب الأيديولوجية الشيوعية والليبرالية بين واشنطن وبكين)
ولعل من أبرز ما أستوقفنى فى هذا السياق، هو إتهام مسئولين بارزين فى الإدارة الأمريكية ذاتها وفى مراكز الحكم الأمريكى للحزب الشيوعى الصينى بأنه سبب إنتشار فيروس كورونا، أو سبب تدهور العالم وخلافه. وهى إشارة رغم غرابتها- إلا أنها مفهومة لدى الباحثة المصرية نظراً لتخصصها البحثى والتحليلى الأكاديمى فى تلك النقطة الجوهرية بالذات- بشأن تصدير الساسة الأمريكان بأن العداء بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين ليس سياسى، بل أضحى (خلاف أيديولوجى أو حرب أيديولوجية) بالأساس. وهو ما يطرح علامات إستفهام عديدة حول:
(اللعب والإختراق الأمريكى الصينى والروسى لبعضهم البعض عبر البوابة الأيديولوجية الشيوعية والليبرالية فى مواجهة بعضهم البعض)
بل وتمادى الطرح الأخطر، حول: دعوة بكين وموسكو بشكل منفرد لعدد من الساسة الأمريكان لزيارة دولهم ولقاء مسئوليهم فى شكل زيارات غير رسمية معلنة. بل وطالت الإتهامات خلال فترة الإنتخابات الأمريكية من قبل أنصار الرئيس السابق (ترامب) للتحقيق فى أسباب دعوة (جو بايدن)، الرئيس الأمريكى الحالى إلى الصين ولقائه بمسئوليها وإشادته بهم، وذلك فى وقت توليه موقع المسئولية فى إدارة الرئيس الأسبق (باراك أوباما).
بل ذهبت إتهامات أنصار المرشح (ترامب) وقتها لأبعد من ذلك، بإتهام (بايدن) بعمالته للحزب الشيوعى الصينى، مستندين على أسباب زيارته غير المعلنة سابقاً لبكين، وما إذا كان مرشح بكين وموسكو الشيوعى المفضل؟
وهنا يجب علينا النظر فى تلك اللعبة المستقبلية بين كافة أطرافها بشأن:
(إتهامهم لبعضهم البعض بتبنى أجندة شيوعية صينية أو روسية أو أجندة ليبرالية أمريكية إمبريالية مهيمنة تسعى للسيطرة على العالم)
وهو أمر أو طرح بات جديداً فى سياقه، ومن هنا أكاد أتصور وفق هذا الطرح هو: مدى التصميم الأمريكى على تحويل التنافس بين الصين وروسيا وواشنطن من كونها (حرب سياسية أو مجرد تنافس سياسى مشروع على قيادة النظام العالمى الجديد إلى حرب أيديولوجية أو تنافس أيديولوجى وعقائدى بين الشيوعيين والليبراليين حول العالم)… وتلك هى مكمن الخطورة أو قل خطورة الطرح الذى بدأت به واشنطن لعبتها مع الصين بشأن:
تشتيت أنظار العالم أجمع بل وشعوبه وتوسيع قاعدة الإتهامات من إنتماء سياسى لصالح التحالف الصينى والروسى معاً أو الأمريكى إلى تبنى عقيدة أو أفكار أو قيم شيوعية فى مواجهة نظيرتها الليبرالية أو الديمقراطية الأمريكية، وهذا الطرح هو ما تصمم عليه واشنطن فى جميع الدوائر العالمية. وهذا ما يطرح علامة إستفهام عديدة حول:
أسباب تواجد شيوعيين عرب سابقين وشيوعيين إيرانيين وأتراك وأكراد فى واشنطن نفسها وإختراق مؤسساتها السياسية وأسباب ومدى علاقاتهم باللوبى اليهودى والإسرائيلى، والأخطر عندى بل وما يعنينى بشكل شخصى وأكاديمى هو:
مدى علاقة الصين وروسيا بإختراق اللوبيات الشيوعية واليسارية فى واشنطن عبر دعم تلك اللوبيات اليهودية والإسرائيلية ذاتها فى الداخل الأمريكى، وبالتالى رد اللعبة الأمريكية ذاتها بإستدراج وحماية لوبيات شيوعية فى الولايات المتحدة الأمريكية، وإستخدامها فى توقيت مناسب لمواجهة أجندة الصين وروسيا عبر تبنى الصين وروسيا لهؤلاء الشيوعيين الذين تتبناهم واشنطن فى أراضيها بدعوى حمايتهم من إضطهاد أوطانهم التى ينتموا إليها خاصةً فى الشرق الأوسط كما أشرنا.
– ثالثاً: تأسيس أحزاب صينية ليبرالية ديمقراطية فى الولايات المتحدة الأمريكية وسماح الحزب الشيوعى الصينى لها بممارسة أنشطتها بشكل قانونى مشروع داخل الصين حتى اليوم: حزب (تشيقونغدانغ) الصينى نموذجاً
ربما كانت تلك المعلومة مفاجأة للكثيرين – فى العالم العربى ومن غير الأكاديميين والمتخصصين فى الدراسات الأكاديمية الصينية والشيوعية حول العالم – والذين لا يعلمون بوجود (ثمانية أحزاب تعمل داخل المجتمع الصينى ذاته تتبع القيم الليبرالية الديمقراطية الأمريكية، ومنها أحزاب تأسست من صينيين مغتربين كانوا يعيشون داخل الولايات المتحدة الأمريكية ذاتها ثم عادوا وإستقروا داخل الصين، وسمح لهم بمزاولة نشاطهم الحزبى المعارض).
ولعل أبرز حزب ليبرالى ديمقراطى صينى أسسه مجموعة من المغتربين الصينيين داخل الولايات المتحدة الأمريكية ذاتها هو (حزب تشيقونغدانغ فى الصين)، والذى تأسس فى مدينة (سان فرانسيسكو) بالولايات المتحدة الأمريكية من قبل مغتربين صينيين كانوا يعيشون داخل المجتمع الأمريكى ذاته، ومعظمهم من خريجى الجامعات الأمريكية المختلفة، وعندما عاد معظمهم لحضن الوطن الأم فى الصين تقدموا بطلب رسمى لتأسيس هذا الحزب، وكانت المفاجأة لهم وللمراقبين الأمريكان هى تفويت السلطات الصينية الرسمية على نظيرتها الأمريكية تلك الفرصة، من خلال سماح السلطات الشيوعية الصينية الحاكمة بممارستهم أنشطتهم وفق نطاق الممارسة الحزبية الديمقراطية الليبرالية الشبيهة بتلك القيم الأمريكية التى أتوا ورجعوا بها من الخارج أى من الولايات المتحدة الأمريكية ذاتها، وحملوها إلى داخل المجتمع الصينى، وهذا الحزب يمارس أنشطته بحرية تامة حتى هذه اللحظة بعلم السلطات الصينية بدون أى مضايقات تذكر بشهادة أعضائه.
ولقد حللت الباحثة المصرية هذه النقطة المهمة بالذات بأن (السلطات الصينية قد نجحت فى تفويت الفرصة على واشنطن بالسماح بعودة هؤلاء المغتربين الصينيين الذين درس معظمهم فى الجامعات الأمريكية وتشبعوا بالثقافة الأمريكية الليبرالية، بإعطائهم حرية تأسيس حزب سياسى ليبرالى ديمقراطى فى الصين ذاتها).
ويتكون (حزب تشيقونغدانغ الليبرالى الديمقراطى الصينى) فى الوقت الحالى من شخصيات صينية من الطبقات الصينية المتوسطة والعليا، ومعظمهم من المغتربين أو المهاجرين الصينيين الذين عادوا إلى البلاد، وإستطاع هؤلاء المغتربين والمهاجرين بعد عودتهم لوطنهم فى الصين إجتذاب أهاليهم وأصدقائهم الصينيين للإشتراك والدخول فى عضوية هذا الحزب وتوسيع قاعدته، وذلك رغم إتباعه نهج وفلسفة القيم الليبرالية الديمقراطية الأمريكية المختلفة عن النهج الشيوعى الذى يدين به غالبية الصينيين.
وعلى الناحية الأخرى، فقد سمحت السلطات الصينية الرسمية أيضاً بالترخيص لسبعة أحزاب أخرى تتبع نفس القيم الليبرالية الديمقراطية، بالإضافة لحزب (تشيقونغدانغ) كما ذكرنا، والسماح لهم جميعاً بالعمل الرسمى والشرعى فى الصين، ليصبح مجموع تلك الأحزاب الليبرالية الديمقراطية فى المجتمع الصينى (ثمانية أحزاب ليبرالية ديمقراطية صينية)، وهى على النحو التالى:
١) حزب (رابطة الحكم الذاتى الديمقراطية التايوانية): ويقع
فى (هونغ كونغ)، إلا أن مقره الرسمى قد إنتقل من (هونغ كونغ) إلى العاصمة الصينية) بكين)، وتتوافر العديد من المعلومات عنه وعن أبرز أنشطته الحالية وأسماء أهم أعضاؤه البارزين فى أرشيف موقع (شبكة الصين) المعروفة.
٢) حزب (جمعية جيوسان): والذى يركز على ضرورة تطبيق الديمقراطية داخل المجتمع الصينى.
٣) حزب (الجمعية الصينية لتنمية الديمقراطية): والذى يرفع شعارات (تطبيق السياسة الديمقراطية بالصين، إصلاح السلطة الصينية، ثم إعادة السلطة إلى أبناء الشعب الصينى أنفسهم). ويتبنى هذا الحزب فى الوقت الحالى أجندة يغلب عليها (المزج بين القيم الليبرالية الديمقراطية الأمريكية والقيم الإشتراكية الصينية)، وذلك عبر الترويج لتبنى (نموذج الديمقراطية الإشتراكية).
٤) الحزب (الديمقراطى الصينى للفلاحين والعمال): والذى يقوم على شعار (إقامة سلطة الشعب الصينى)، والأهم أن دستوره الحالى ينص صراحةً على قبول (قيادة الحزب الشيوعى الصينى)، وترحيبه بتعاون جميع الأحزاب الليبرالية الديمقراطية مع الحزب الشيوعى الحاكم فى الصين، وفق آلية أو نظام (التشاور السياسى)، وذلك وفقاً لما هو مدون فى (أرشيف موقع شبكة الصين) المعروفة فى الصين.
٥) حزب (اللجنة الثورية لحزب الكومينتانغ): والذى يتبنى أعضاؤه المذهب الديمقراطى الليبرالى، مع ملاحظة أن (حزب الكومينتانغ) ذاته هو حزب قديم أطاح به الحزب الشيوعى الحاكم فى الصين، إلا أنه مجموعة من أعضاء الحزب القديم أرادت العمل بصورة شرعية تحت إشراف الدولة الصينية ذاتها، وتقدموا بطلب لتأسيس (حزب اللجنة الثورية لحزب الكومينتانغ)، ووافقت السلطات الصينية الرسمية على طلبهم فوراً، ويتبنى أعضاؤه حالياً مبدأ وشعارات (توحيد الصين)، ويضم أعضاء من المستويات أو الطبقات العليا والمتوسطة فى المجتمع الصينى بصورة رئيسية.
٦) حزب (الجمعية الديمقراطية الصينية لبناء الوطن): تتمثل الدعوة السياسية لهذا الحزب فى ضمان الحقوق السياسية الأساسية للمواطن الصينى، وحماية حقوق الإنسان للمواطنين، حماية وتنمية الصناعة والتجارة الوطنية، معارضة حكم حزب الكومينتانغ القديم الذى أطاح به الحزب الشيوعى الحاكم فى الصين. وهناك بيانات كثيرة منشورة عنه وفقاً للإعلام الصينى الرسمى.
٧) حزب (الرابطة الديمقراطية الصينية): تحمل إسم (الرابطة الديمقراطية الصينية)، والمعترف بها رسمياً من قبل السلطات الصينية، والتى بدأت نشاطها السياسى كمنظمة سياسية مشتركة للأحزاب والقوى السياسية تدعو إلى الديمقراطية، وتم الترحيب بها من قبل السلطات الحاكمة الشيوعية فى الصين.
ومن هنا نجد أن السلطات الرسمية الصينية كانت لها (نظرة مستقبلية فى علاقتها بالولايات المتحدة الأمريكية كقوى عالمية مهيمنة تسعى لنشر قيمها الليبرالية الديمقراطية حول العالم)، بالسماح بعودة مواطنيها الصينين من الولايات المتحدة الأمريكية وإعطائهم الحق فى ممارسة قناعاتهم السياسية بكل حرية تامة فى إطار الدولة والقانون والدستور الصينى السائد، مع كفالة حرية ممارسة عقائدهم وأيديولوجيتهم السياسية الليبرالية الديمقراطية الأمريكية نفسها تحت إشراف السلطات الصينية فى الداخل. وهى أخطر وأهم نقطة ينبغى التوقف عندها جميعاً، والتى تدل على (بعد نظر صينى فيما يتعلق بعلاقته المستقبلية بالعالم وبالقيم الأمريكية نفسها).
ومن هنا، فإن السلطات الشيوعية الصينية الحاكمة ترفع فى وجه الولايات المتحدة الأمريكية والغرب أنفسهم من المنتقدين لممارستها السياسية شعار (التشاور السياسى بين الأحزاب السياسية فى الصين، والقرارات التشاورية الجماعية)، وهى تعنى: تلك القرارات التى إتخذها الحزب الشيوعى الحاكم بعد مشاورته (الأحزاب الثمانية الديمقراطية الليبرالية فى المجتمع الصينى)، وتلك واحدة من أبرز نقاط الذكاء فى آلية ممارسة الحكم فى الصين، بالسماح بإمتصاص تلك الكيانات والأحزاب السياسية المعارضة طالما تقدمت بطلب رسمى للعمل داخل المجتمع الصينى ذاته تحت إشراف الدولة الصينية نفسها.
وهو ما تتخوف منه واشنطن بتقدم مغتربين صينيين آخرين بطلبات مماثلة إلى السلطات الأمريكية للسماح لهم بتأسيس أحزاب أيديولوجية شيوعية ويسارية داخل المجتمع الأمريكى، وتوسيع قاعدة عضويتها بإستقطاب وتجنيد أعضاء جدد، والدفع بتلك الأحزاب الشيوعية واليسارية ذات الأيديولوجية الشيوعية الصينية بالمنافسة فى المستقبل فى الإنتخابات الأمريكية عبر تمويل صينى أو روسى.
ومن خلال التحليل السابق، خلصت الباحثة المصرية إلى أن التنافس الحالى بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين وروسيا لم يعد تنافس سياسى أو حتى إقتصادى وثقافى بقدر ما هو إعتراف ضمنى من واشنطن نفسها وساساتها بأنه (تنافس أيديولوجى وعقائدى بين قيم ليبرالية أمريكية وقيم شيوعية صينية).
ومن خلال تسليطى الضوء على ما يحدث فى الداخل الأمريكى بإستقطاب الشيوعيين أنفسهم للعمل تحت إشراف السلطات الأمريكية، وإستقطاب الصينيين لهؤلاء الليبراليين الديمقراطيين ذوى التوجهات الأمريكية للعمل داخل الصين الشيوعية نفسها رسمياً، يتضح لنا أنها (لعبة أيديولوجية يتم التحضير لها منذ سنوات طويلة بين الأمريكان والشيوعيين الصينيين).
وفى نفس هذا السياق، تستحضرنى نفس الفكرة فى السياق العربى وفى منطقة الشرق الأوسط نفسها، بهل يمكن توسيع قاعدة المنافسة الحزبية الحقيقية بين أصحاب القيم الليبرالية والشيوعية فى أوطاننا أم أن الكفة تميل فقط لصالح القيم الليبرالية الديمقراطية الأمريكية، رغم إنتقاد السياسة الأمريكية ذاتها فى أوطاننا العربية.
ويبقى تساؤلى الأخطر والأخير فى هذا التحليل المستقبلى الجديد للباحثة المصرية، وهو التساؤل الحتمى الذى لا أجد مفر من طرحه دون البحث عن إجابة له، ألا وهو:
هل يمكن أن تتدخل الصين وروسيا لتمويل وتأسيس أحزاب شيوعية ويسارية عربية وفى منطقة الشرق الأوسط عموماً، وبل وحول العالم بإشراف الحكومات الأفريقية والعربية واللاتينية وغيرها القريبة الصلة من الصين لتوسيع قاعدة الشيوعيين وحاملى التوجهات الشيوعية على حساب القيم الليبرالية الأمريكية؟… وفى إعتقادى أن ذلك هو سؤال المستقبل الذى يجب أن نحتفظ به جميعاً نحو المستقبل.