مصطفى عبدالرحمن يكتب.. “ما هو لنا لن يأخذه غيرنا: فلسفة الرضا بالنصيب”

في عالم يلهث وراء المنافسة والصراعات لتحقيق المكاسب، يبرز تساؤل عميق حول مفهوم “النصيب” ودوره في حياتنا. تلك الكلمة التي تحمل في طياتها أبعادًا تتجاوز المادية إلى الروحية والنفسية. فهل كل ما نفقده كان بالأصل لنا؟ وهل ما يأتي إلينا هو فقط ما كُتب في أقدارنا؟

النصيب بين الإيمان والعمل
النصيب ليس مجرد فكرة حتمية تسلب الإنسان إرادته، بل هو مزيج من الجهد، السعي، والإيمان بأن ما كُتب لنا سيصل إلينا مهما طالت الطرق وتشعبت. إن الإيمان بالنصيب لا يعني التواكل أو التقاعس عن العمل، بل هو حالة من الاتزان بين الإصرار على تحقيق الأهداف والتسليم بأن النتائج قد تحمل في طياتها حكمة أكبر مما ندرك.

تُعلمنا الحياة أن ما يُكتب لنا سيُفتح بابه في الوقت المناسب. قد نسعى خلف شيءٍ بكل ما أوتينا من قوة، لكن إذا لم يكن مقدرًا لنا، فلن نجده. وفي المقابل، قد يأتي إلينا ما لم نتوقعه أبدًا، وكأنه تأكيد على أن الأقدار تسير وفق خطط ربانية مُحكمة، لا تخطئ هدفها.

ما هو لنا لن يأخذه غيرنا
هذه الجملة ليست مجرد كلمات تُقال في مواساة النفس، بل هي قانون كوني يعزز الإيمان بالعدل الإلهي. ما قُدر لك سيجدك أينما كنت، حتى لو كانت الظروف كلها تشير إلى استحالته. كثيرًا ما نرى أشخاصًا يحصلون على فرص لم يسعوا إليها، وآخرين يفقدون ما ظنوا أنه ملكهم للأبد.

هذا لا يعني أن النصيب يُختصر في المادة أو المكاسب الظاهرة. فالنصيب قد يكون في السلام الداخلي، في الأشخاص الذين يدخلون حياتنا ويغيرونها للأفضل، أو حتى في دروس قاسية تعلمنا كيف نعيش بحكمة وقوة.

النصيب والحسد: المعادلة الصعبة
أحيانًا يثير النصيب لدى الآخرين مشاعر الحسد أو الغيرة، وكأننا نخشى أن يأخذ أحدٌ ما هو لنا. لكن الحقيقة أن النصيب لا يُسرق، ولا يُنتزع. الأقدار تسير في مساراتها، وما كُتب لك لن يذهب إلى غيرك، مهما كانت الظروف.

التصالح مع فكرة النصيب يُغني القلب عن الكثير من الصراعات. فالحسد ليس إلا تعبيرًا عن شكوكنا في عدالة الأقدار، بينما الحقيقة تقول إن ما يناله غيرك هو رزقه، وما ستناله أنت هو رزقك، وكلٌ له وقته ومساره المختلف.

كيف نعيش بفلسفة النصيب؟
العمل والاجتهاد: كن واثقًا أن السعي مطلوب، لكن النتائج ليست دائمًا بأيدينا. افعل ما عليك واترك الباقي لحكمة الأقدار.
الإيمان بالعدل الإلهي: تذكر دائمًا أن الله لا يظلم أحدًا، وأن الخير الذي تبحث عنه سيصل إليك بطريقة أو بأخرى.
التصالح مع الخسارة: أحيانًا يكون ما نخسره هو خير خفي، وما نحصل عليه هو ما يناسبنا أكثر، حتى لو لم ندرك ذلك في البداية.
الحمد والرضا: تعلم أن ترى الخير في كل ما يحدث، فحتى العقبات تحمل في طياتها هدايا مخفية.
الخاتمة
النصيب ليس قيدًا، بل هو راحة للنفس وسكينة للقلب. ما هو لك لن يأخذه أحد، وما ليس لك لن تناله مهما فعلت. سر الحياة يكمن في السعي المستمر، مع الرضا التام بما يُكتب لنا. فكل خطوة في طريقنا، سواء كانت نجاحًا أم درسًا، تقودنا إلى المكان الذي نُخلق لنكون فيه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى