لا أحد يعرف لماذا تعتقد حكومة الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، أنها وصية على الشعب المصري، ومتى تدرك الحكومة بوزرائها أنهم موظفون، فلو أدرك الوزير أنه موظف، ومن قبله رئيس الوزراء بالطبع، ربما سيعرف كيف يكون اتخاذ القرار.
ما أكد أن الحكومة تتعامل بتعالي، وترى في نفسها الوصاية على الشعب دون سندٍ من القانون أو الأصول أيضًا، ما دفعني لكتابة ذلك هي أزمة سيارات المعاقين التي أثارها رئيس الوزراء “مدبولي”، حينما أصدر قرارًا منذ شهرين بوقف الإفراج عن سيارات المعاقين بالجمارك لحين إصلاح بعض الثغرات فى استغلال الآخرين جواب سيارات المعاقين الذى يستغله غير المستحقين، بحيل عبر شراء جواب السيارات من المعاقين.
المثير أيضًا أنه رغم أن القرار تنظيمي، إلا أن تبرير السيد رئيس الوزراء، المعاد تكليفه، عليه الكثير من علامات الاستفهام في هذا القرار، إذ كان توضيح سبب القرار يقول إن هناك عددًا كبيرًا من السيارات الفارهة حديثة الصنع دخلت أرض الجمارك وأن أصحاب السيارات اشتروا خطابات سيارات المعاقين للهروب من دفع الجمارك وأضاعوا على الدولة أموالًا كثيرة.
هنا القرار مبرر طالما أنه للصالح العام، لكن الذي لا يُمكن اعتباره مبررًا هو الاعتراض على كون سيارات المعاقين فارهة، والحقيقة لا أحد يعرف لماذا تستكثر السيارات الفارهة على المعاقين، فإذا كان هناك رجل أعمال (غني) سيشتري لابنه سيارة وفق القانون الذي يخضع له ابنه، وسيسدد ثمنها، فما الأزمة هنا.
الأزمة هنا أن الحكومة رأت في نفسها صاحب الحق في المنح والمنع، بل إنها -أي الحكومة- كان لديها مقاصد من ذلك بدليل أن القرارات التي صدرت لاحقًا كان فيها تحديدًا لشروط غير مبررة.
وهنا نكرر أننا مع إعادة هيكلة المنظومة باشتراطات واضحة تمنع التحايل، لكن تحديد اشتراطات محددة على السيارة أمر غير مقبول على الإطلاق، ويحتمل سوء نية بنسبة كبيرة.
ورغم احتمالية سوء النية هنا ولو كانت قليلة، فإن رد الفعل على قرار رئيس الوزراء المعاد تكليفه مصطفى مدبولي، كان رفضًا له، فيما وصفه كثيرون على مواقع التواصل الاجتماعي بأنه التفاف على قرار الرئيس، الذي يعد كل تدخل منه إنقاذ بكل ما تحمله الكلمة من معنى، لكن الخطأ يكون من الحكومة التي اعتادت على تجاوز صلاحيتها، ودائمًا ما تنتقل من خانة الموظف المسئول إلى خانة الوصي.
نست الحكومة، وربما تناست أن قرار سيارات المعاقين في الأساس، كان لتخفيف معاناتهم في التنقلات وتعويضًا عن إعاقتهم، لكن حكومة مدبولي أرادات تقييدًا إضافيًا على حركتهم.
الوصية التي نتحدث عنها، ليست ضربًا من الخيال، ولا محاولة منا لانتقاد حكومة مدبولي، بدليل أنه من داخل قرار رئيس الوزراء الخاص بمحددات استيراد سيارات المعاقين، كان قرار وزارة التضامن -غير الإنساني- بإلغاء كارت تكافل وكرامة لأى معاق يحصل أو يشتري سيارة معاقين، ولا أحد يعرف هل معاش تكافل وكرامة يستحق الحبر والورق والمداولات التي قدمتها الوزارة لأخذ هذا القرار، بل إنني سأذهب إلى ما هو أبعد من ذلك بطرح سؤال واحد، كم هو راتب مستشاري الوزارة الذين اتخذوا هذا القرار، وهل يعلم هؤلاء حجم هذا المعاش؟
وهل قالوا لنا في بيانات رسمية كم هي نسبة المعاقين الذي لديهم سيارات ويحصلوا على معاش تكافل وكرامة الذي قد لا يكون يتجاوز 1000 جنيه، أي 20 دولارًا باللغة التي يعرفها الاقتصاد العالمي فهل هذا قرار عاقل من الأساس.
أمر آخر، لم استطع فهمه حتى وأنا أكتب هذه السطور، وهو الشرط العجيب الذي يقول، أن سيارات المعاقين لا تخرج عن فئة الـ1200 سي سي، وأن تكون حديثة الصنع، ولا يمر على صناعتها 3 سنوات من سنة الصنع فقط.
هنا لن أحاول التجميل أو التفسير على نحو طيب، لكن سأسير على النهج الذي يقول إن الشيطان يكمن في التفاصيل، وهنا نحن في خندق التفاصيل ذاته، فهو لماذا تستكثر حكومة مدبولي، سيارات فوق الـ1200 سي سي على المعاق، لماذا حددت فئة الـ سي سي، وهل تُدرك الحكومة أن سيارات مثل فيات 128، إنتاج سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي تكون سعتها 1300 سي سي، بل وبما أنني لا زلت في خانة التفاصيل، فإن هذا الاشتراط المُركب الخاص بتحديد سنوات الصنع وسعة السي سي يقول إن الحكومة تقصد تحديد مجموعة سيارات محددة، أو ماركات محددة هي التي تجمع بين هذين الشرطين، فهل لي أن اطرح من منبري هذا وأقول منّ صاحب التوكيلات والعلامات التجارية التي انحصرت في هذا القرار؟
لسنا هنا بصدد التشكيك في النفوس، لكن هي تساؤلات إن لم نطرحها فلا نستحق شرف مهنة القلم.
كل القرارات الصادرة في هذا الشأن عليها تساؤلات كثيرة، ومن حقنا أن نتساءل وعلى الحكومة أن تجيب.
خاصة أن بعض هذه القرارات إنما تبدو عقابية في حق المعاقين، فماذا فعل ذوي الهمم لرئيس الوزراء ليكون ضدهم كما فعل.
ومن هذا المنطلق يكون لزامًا علينا أن نطالب الرئيس بالتدخل، لإيقاف قرارات مدبولي، فالرئيس السيسي خلال السنوات العشر السابقة كانت قراراته -ولا تزال- هي روشتة الراحة التي لا يصفها إلا شخصية في حجم وقدرة وحكمة الرئيس السيسي.
مرة أخرى أكرر، أنني لا أجد مبررًا لقرارات حكومة مدبولي العقابية تجاه ذوي الهمم، بل إنني أتعجب من وصف بيانات حكومة مدبولي لهم بذوي الهمم وهو ترقيق يتعارض تمامًا مع قرارات هذه الحكومة التي تقول قراراتها إنها تضيف للمعاق إعاقة على إعاقته.
الغريب أن حكومة مدبولي، لم تطرح الأمر للحوار المجتمعي، ولو فعلت ذلك لعلمت أن السيارة التي مر على صنعها 20 عامًا في بلدها الأوروبي، هي سيارة حديثة في عُرف المجتمع المصري.
الأمر لم يكن يستحق كل هذا العنف في القرارات التي اتخذتها الحكومة، فالحقيقة أن القانون القديم كان فيه بالفعل عقوبات لاستغلال خطاب سيارات المعاقين مثل الحجز على السيارة إذا ضبطت مع غير مالكلها المعاق، وإذا ما ثبت بالفعل أنها ملك لغير المعاقين وهنا يكون هناك عقوبات شديدة كالغرامة أو دفع الجمارك، وبالتالي فإن حق الدولة محفوظ.
على العموم إن كل ما يفعله مدبولى المعاد تكليفه بالنسبة للمعاقين ضد كل قناعات الرئيس، وبعدما قلت ما يُمليه عليّ ضميري أؤكد للحكومة أنني لم أحصل ولست مستفيدًا من سيارات المعاقين، حتى لا يدعي أحدًا ذلك، ويبقى الحق الثابت في عرف الدول أن من حق المواطن أن يفتش ويفتش ويفتش في نوايا الحكومة فهذا هو الأساس في دستور الدنيا.
وللحديث بقية.
[email protected]
زر الذهاب إلى الأعلى