ابراهيم العمدة يكتب ..أوقفوا هجرة الأطباء
تعاملت مع مئات المسئولين في مواقع شتى، وسمعت تصريحات كثيرة ومتنوعة وكلها كنت قادرًا على تحليلها في الثانية التي ينتهي فيها الوزير من قولها، لكن مؤخرًا بدأت أسمع تصريحات من الدكتور خالد عبدالغفار، نائب رئيس الوزراء، ووزير الصحة والسكان، تجعلني أصاب بالصدمة، وأتوقف أمامها أريد أن أتأكد مما قال، فتارة أجدها تصريحات متلفزة، أي صوت وصورة وتارة في بيانات رسمية عن وزارته.
أيضًا من باب الصدق مع القارئ يجب أن أقول أن هذا كان متوقعًا في ظل حكومة مصطفى مدبولي، المُعاد تكليفه رئيسًا للوزراء، لكن للأمانة أيضًا لم أتوقع الشطحات في التصريحات إلى هذه الدرجة.
التصريح الذي جعلني أتوقف أمامه تمامًا هو تصريح “عبدالغفار” الذي قال فيه: “هجرة الأطباء أمر طبيعي في العالم كله”.
وزير الصحة المعاد تكليفه يقول لنا لا تقلقوا من الكارثة، فالكارثة موجودة في العالم كله، وكل الأطباء تهاجر، والحقيقة أننا في كارثة مهما حاول الدكتور عبدالغفار أن يقلل منها، لأننا إذا ما قيسنا عدد السكان بالأطباء سنعرف مدى العجز الذي نعاني منه.
والنقص في الأطباء نتيجة هجرتهم للخارج هروبًا من ظروف صعبة في بيئة العمل، أمر خطير انتبه له مجلس النواب ونقابة الأطباء، وكل المهتمين بالشأن الصحي المصري على مدار العقد الأخير، لكننا فوجئنا بالسيد وزير الصحة يقول لنا: “هجرة الأطباء أصلًا عادي”.
تعالى معي يا سيادة الوزير لأقول لك لماذا يهرب الأطباء، البداية هنا بضعف الرواتب والبدلات وكل ما يتعلق بالأمور المالية، وأيضًا نؤكد أن أسباب الهجرة بشكل عام لا يمكن مقارنتها بأسباب أي بيئة عمل أخرى، فهل وفرت بيئة آمنة للطبيب ليعمل فيها كما يحدث في كل دول العالم، وكم مرة تكررت حوادث الاعتداء على الأطباء، لأن الطبيب يتولى علاج حالات أكثر من العدد المفترض أن يعالجه خلال اليوم، وكم طبيب سقط شهيدًا أثناء تأدية عمله نتيجة عمله ساعات بل وأيام متواصلة أكثر من المعدل الطبيعي، وبالتالي أصبح غير قادر على العمل، وهنا يأتي أهل مريض -معذورون- لا يعرفون عن معدل الضغط هذا شيئًا، وكأنهم يريدون من الطبيب أن يعيد الحياة لمريضهم.
نحن هنا لسنا بصدد إلقاء الاتهامات، ولن نشيطن المسئولين، ولن نصنع من الأطباء ملائكة، فهم بشر يصيبون ويخطئون، وكما نرفض الاعتداءات عليهم بشدة فإننا أيضًا نرفض التقصير الموجود من الأطباء في العديد من المستشفيات بشدة ، وهو أمر واقع لا ينبغي أن نغض الطرف عنه أبدًا.
ونوجه حديثنا هنا لوزير الصحة، ونقول له: أضع أمامك يا دكتور عبدالغفار، بعض الوقائع منها حالة الاعتداء على طبيب مستشفى سوهاج المركزي بسلاح أبيض، والتي أصدرت عنها بيانًا.
واقعة أخرى يتم التكتيم عليها وهي سحل عناصر الأمن المدني بمستشفى الدمرداش لطبيب امتياز، وهو الطبيب “ي. م. ي”، والذي أصيب بفقدان وظيفي في حركة العقلة الطرفية بالبنصر الأيسر، وسحجات متفرقة بالجسم، ويحتاج ضروريًا إلى الحجز بالقسم الداخلي، وذلك حسب التقرير المستشفى الذي وقع الكشف على الطبيب.
هذه الواقعة يجب أن يبحث الوزير عن من تكتم عليها ولم يخبره بها، أما وإن كان الوزير يعلم ولم يعلنها للرأي العام، فهذه كارثة مزدوجة، لأن الوزير يخرج علينا بعد ذلك ليقول هجرة الأطباء طبيعية.
يا دكتور عبدالغفار قضيت سنوات وزيرًا للتعلم العالي وهو قطاع مرتبط ارتباطًا وثيقًا بقطاع الصحة، وتحت إشرافك العديد من المستشفيات الجامعية، وعاصرت اعتداءات على الأطباء، وتم اختيارك وزيرًا للصحة، ثم أعيد تكليفك وزيرًا للصحة في حكومة مدبولي مجددًا، ورغم كل هذه الوقائع المعلوم منها وما لم نعلمه تخرج علينا لتقول هجرة الأطباء طبيعية وتحدث في كل البلدان، فهنا بالتأكيد لا بد أن نقول هنا كارثة، وهذه الكارثة تتفاقم حينما ينفيها المسئول.
أخيرًا: إن هجرة الأطباء إن كانت تحدث في كل العالم فلها أسباب كثيرة، لكن بالتأكيد الأطباء لا يهاجرون في البلاد الأخرى لأن هناك من يعتدي عليهم من الامن المدنى المستشفى ولا يجد رادعًا، وبالتأكيد أسباب استقالة الطبيب بالخارج ليس من بينها الاعتداء أو السحل من الامن المدنى بالمستشفى.
هجرة الأطباء كارثة يا معالي الوزير، من فضلك لا تقلل من شأنها، وابحث عن الحلول واسمع للأطباء، ولا تسعى للتوفير في الميزانية فقط.