الدكتوره ناديه حلمي تكتب. . كيف يمكن أن تستغل بكين محاولات واشنطن للتخلص من رئيس الوزراء الإسرائيلى “نتنياهو”؟!
كيف يمكن أن تستغل بكين محاولات واشنطن للتخلص من رئيس الوزراء الإسرائيلى “نتنياهو” وطرده خارج السلطة بسبب إستمرار حكومته فى بناء المستوطنات لصالحها؟
وتأثير الإستعانة الإسرائيلية بالعمالة الصينية غير الشرعية فى قطاع التشييد والبناء فى بناء المستوطنات والوحدات الإستيطانية الإسرائيلية على توتر العلاقات بين الصين وإسرائيل
تحليل للدكتورة:
نادية حلمى
أستاذ العلوم السياسية جامعة بنى سويف – الخبيرة المصرية فى الشؤون السياسية الصينية والآسيوية
كان أكثر ما لفت نظرى بعد نجاح حكومة نتنياهو المتشددة فى إسرائيل فى يناير ٢٠٢٣، هو ذلك التخوف الأمريكى ذاته من سياساتها المتشددة فى مواجهة الفلسطينيين والمنطقة، خاصةً بعد إعلان سلطات الإحتلال الإسرائيلى زيادة والتوسع فى عدد المستوطنات والوحدات الإستيطانية فى الضفة الغربية والقدس المحتلة. بل وبدأت بوادر أمريكية حقيقية للتخلص من حكومة نتنياهو فى إسرائيل. فضلاً عن التخوفات الأمريكية الدائرة فى الأفق تحسباً لأى تقارب بين الصين وإسرائيل. وهو ما أعلنه صراحةً نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكى للشؤون متعددة الأطراف وقضايا الصين العالمية “جونغ إتش باك”، وذلك في مؤتمر الشبكة الصينية – الإسرائيلية العالمية والقيادة الأكاديمية، والمعروف بإسم “سيغنال”
SIGNAL
والذى عقد بعد فوز بنيامين نتنياهو مباشرةً فى الإنتخابات الإسرائيلية، بإعلان “جونغ إتش باك”، بأنه: “قد بات على إسرائيل إتخاذ المزيد من الخطوات لحماية “تقنياتها الحيوية المتقدمة” من الإستثمار الصينى”.
ونفس التخوفات الأمريكية تجاه موقف حكومة نتنياهو وسياساتها من الصين كمنافس قوى لواشنطن فى تل أبيب والمنطقة، قد حدث فى نهاية عام ٢٠١٩، وذلك قبل إنتهاء ولاية “بنيامين نتنياهو” السابقة فى الحكم، حين قررت الحكومة الإسرائيلية بقيادة “نتنياهو” وبضغط قوى وشديد من واشنطن إنشاء (آلية إستشارية بشأن جوانب الأمن القومى للإستثمارات الأجنبية) والمعنى هنا بالأساس هو الصين. لذا أتت موافقة حكومة نتنياهو السابقة على هذه السياسة الأمريكية حيال الصين، على أنها محاولة إسرائيلية بالأساس لإدارة العوائق والتباطؤ من أجل المناورة بين المطالب الأمريكية والفرص الإقتصادية الصينية فى تل أبيب.
وبات هذا الأمر ينطبق على الحكومة الإسرائيلية السابقة لحكومة نتنياهو الحالية بشأن ممارسة ضغوط أمريكية قصوى فى مواجهة الدولة العبرية للتخفيف من علاقاتها مع بكين. ففى يوليو ٢٠٢٢، نشر الرئيس الأمريكى “جو بايدن” ورئيس الوزراء الإسرائيلى السابق “يائير لابيد” إعلاناً مشتركاً حول (إقامة حوار إستراتيجى بشأن التقنيات المتقدمة فى إسرائيل) للتحذير بالأساس من نقل تلك التكنولوجيا الإسرائيلية المتقدمة بمساعدة الولايات المتحدة الأمريكية إلى الصين، وعقد هذا الحوار الإستراتيجى بالأساس بين واشنطن وتل أبيب، برئاسة مستشارى الأمن القومى الأمريكى والإسرائيلى (جيك سوليفان وإيال حولاتا). وفى ١٢ أكتوبر ٢٠٢٢، قررت الحكومة الإسرائيلية المنتهية ولايتها برئاسة “يائير لابيد” تعزيز الآلية الإستشارية بشأن الإستثمارات الأجنبية، خاصةً مع الصين، إرضاءاً لواشنطن بالأساس. وهو ذاته ما أكده السفير الأمريكى لدى إسرائيل “توم نايدز”، بحديثه على “أن الإدارة الأمريكية توصلت أيضاً إلى تفاهمات مع إسرائيل بشأن التجارة مع الصين، وإنها ستشدد الرقابة على بيع التكنولوجيا المحلية للصين، خشية وقوعها فى الأيادى الخاطئة”، وذلك فى إشارة صريحة إلى الصين.
ولكن بعد فوز حكومة نتنياهو فى إنتخابات يناير ٢٠٢٣، فوجئنا بتدهور شديد فى العلاقات بين واشنطن وتل أبيب، للدرجة التى بدأ معها التخطيط فى البيت الأبيض فى واشنطن ووكالة المخابرات المركزية الأمريكية للتخلص من حكومة نتنياهو وسياساتها المتشددة فى فلسطين والمنطقة، تحسباً لإحراج واشنطن من قبل كل الأطراف فى المنطقة وتقليل الثقة بها. وهو ما جعلنى أستوقف طويلاً عند هذه المسألة الخطيرة الخاصة بالتخطيط الأمريكى للتخلص من حكومة نتنياهو المتطرفة، وكيف يمكن أن تستغل بكين ذلك لتدعيم تواجدها ونفوذها فى إسرائيل والمنطقة؟ خاصةً بعد تلك التصريحات من مسئول عسكرى أمريكى، بمحاولة الولايات المتحدة الأمريكية التخلص من رئيس الوزراء الإسرائيلى “بنيامين نتنياهو” بسبب عدم إلتزامها مع واشنطن.
وفى إعتقادى ووفق قراءتى للمشهد، فإنه يتوقع أن تستغل الصين هذه الثغرة فى توتر العلاقات الأمريكية – الإسرائيلية فى عهد حكومة نتنياهو الحالية، للدخول كطرف فاعل ومؤثر فى عملية السلام فى الشرق الأوسط. وهو ذاته ما يتوقعه “نتنياهو” حتى خلال فترة ولايته السابقة، بتوقعه بلعب بكين دوراً مهماً فى (دبلوماسية الوساطة الأوروبية – الأمريكية بين إسرائيل والفلسطينيين). كما ينقلنى لذلك لإجتماع سابق برئاسة “نتنياهو” شهده دبلوماسيون صينيون وإسرائيليون، صرح فيه “نتنياهو” للصينيين مباشرةً، قائلاً فيه بالحرف: “أعتقد أن بإمكاننا العمل سوياً لمجابهة تحديات تحقيق السلام فى الشرق الأوسط”. وهذا ما أثار حفيظة ومخاوف الأمريكان بشأن دخول الصين كطرف فاعل وشريك موثوق فيه لدى كافة الأطراف فى المنطقة فى عملية السلام وإدارتها بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
ومن هنا بدأت الصين عبر مراكزها الفكرية والبحثية ووزارة خارجيتها، متابعة جدية للموقف المتأزم بين واشنطن وتل أبيب وحكومة نتنياهو المتشددة بعد نجاح “بنيامين نتنياهو” فى ٢٠٢٣. للتفكير فى الدخول الصينى بفعالية فى خط الأزمة المشتعلة بين واشنطن وتل أبيب للعب دور الوساطة إقليمياً ودولياً لقيادة الصين جهود وعملية الوساطة فى المنطقة وبين الفلسطينيين والإسرائيليين، خاصةً تلك المتعلقة ببناء المستوطنات والوحدات الإستيطانية لحكومة نتنياهو المتطرفة فى الضفة الغربية والأراضى الفلسطينية المحتلة.
ويستحضرنى فى هذا الشأن – وعلى المستوى الأكاديمى الشخصى – ما كتبته من تحليل منشور قبل عدة سنوات، وتحديداً فى ٢ يونيو ٢٠١٤، بعنوان:
“تأثير العمالة الصينية فى إسرائيل على الأمن القومى العربى”
وهو ما أثار حفيظة وغضب الإسرائيليين منى، بتحليلى المستفيض وحديثى حول العمالة الصينية فى إسرائيل، خاصةً فى قطاع البناء والتشييد، والتى تقدر بأكثر من ٢٣ ألف عامل صينى فى إسرائيل، والتى تحاول سلطات الإحتلال الإسرائيلى الإستفادة منهم فى عملية بناء المستوطنات والوحدات الإستيطانية الإسرائيلية، خاصةً تلك العمالة الصينية غير المشروعة منها والتى دخلت لإسرائيل عبر طرق غير مشروعة، لذا تحاول سلطات الإحتلال الإسرائيلى الإستفادة منها فى أعمال غير مشروعة تمس بناء عملية المستوطنات الإسرائيلية، وبات ذلك أكثر موضوع يتسبب وبإستمرار فى توتر العلاقات بين الصين وإسرائيل. وهذا ما كتبت عنه تحديداً وبشكل شخصى وأكاديمى فى يونيو ٢٠١٤، بتأكيدى على أن هذا الموضوع الخاص بالعمالة الصينية فى تل أبيب وتحديداً تلك العاملة فى قطاع البناء، باتت أكثر ملف يهدد العلاقات الصينية الإسرائيلية، بإعتراض وزارة الخارجية الصينية عدة مرات لدى نظيرتها الإسرائيلية بالإستعانة بهم فى أعمال غير مشروعة تتعلق ببناء المستوطنات الإسرائيلية والمطالبة الصينية بطردهم وعدم الإستعانة بهم، وحديثى الصريح فى تحليلى المشار إليه والمنشور عام ٢٠١٤، بأن هذا الموضوع الخاص بالعمالة الصينية فى إسرائيل وتحديداً فى قطاع البناء والتشييد، لم يخطر على بال أى باحث مصرى أو عربى إلا إذا عاش التجربة وذهب إلى الصين بنفسه وإستمع لكل الآراء، وقام بتحليلها.
وذكرت فى تحليلى السابق والمنشور فى ٢ يونيو عام ٢٠١٤، بشأن (العمالة الصينية فى إسرائيل خاصةً فى قطاع البناء والتشييد) والتى تعد مصدر دائم، وربما أيضاً غير مسموع وغير متداول فى منطقتنا العربية وفلسطين، رغم خطورته الشديدة فى دراسة ملف العلاقات بين الصين وإسرائيل. إلى أنه وبشكل عام، فمن الصعوبة التى قد يجدها أى باحث فى الشأن السياسى الإسرائيلى – الصينى المشترك، هى الوصول لتلك البيانات والإحصاءات، خاصةً تلك المتعلقة بتوافر والحصول على البيانات والمعلومات والتفاصيل اللازمة عن العمالة الصينية فى إسرائيل، أو العمالة الإسرائيلية فى الصين، فالصينيون فى إسرائيل يشكلون مجموعات قليلة منفصلة، منهم مجموعات صغيرة من الطلبة الصينيين الذين يدرسون فى الجامعات الإسرائيلية ورجال الأعمال والتجار والعمال والمستثمرين الصينين فى قطاع البناء والتشييد فى إسرائيل، وهم الأغلبية لدى مجتمع الأعمال والعاملين فى تل أبيب.
فتبقى الملاحظة الجديرة بالذكر عندى فى هذا السياق، هو حرص الصين على زيادة عدد مواطنيها الذين يعملون فى “إسرائيل”، والبالغ عددهم ما يقارب من ٢٠ ألف عامل، والذين يقومون بتحويل ٣٣٠ مليون دولار سنوياً إلى بكين.
وجاء تحليلى المشار إليه والمنشور علنياً فى ٢ يونيو ٢٠١٤، بأنه فى الآونة الأخيرة تزايدت الدراسات الصينية- الإسرائيلية المشتركة لعمل نظام لتشغيل اليد العاملة المهاجرة بين الصين وإسرائيل، وبموجب هذا المشروع يتم التركيز على المهاجرين الصينيين الذين جندوا للعمل في إسرائيل بموجب عقود قانونية. حيث وجد أن العديد من هؤلاء المهاجرين يواجهون حالة من عدم الشرعية في إطار وجودهم داخل دولة إسرائيل. ويسعى نظام التشغيل إلى إدماج هؤلاء المهاجرين الصينيين فضلاً عن وسطاء في مجال العمل، وأرباب العمل، من كلا الطرفين الصينى والإسرائيلى، وتحقيق إستفادة صينية- إسرائيلية مشتركة – وبالأخص لدى قطاع الأعمال الصينى الإسرائيلى غير الرسمى – متمثلاً فى الحفاظ على العمالة الصينية غير المشروعة خاصةً فى قطاع البناء والتشييد والبالغ عددهم ٢٣ ألف عامل – وذلك عن طريق توافر العديد من التسهيلات الإسرائيلية الخاصة لهم فى نظام الإقامة والعمل لدى تل أبيب.
ونبهت فى بحثى المنشور فى ٢ يونيو ٢٠١٤، لخطورة سياسات الحكومة الإسرائيلية فى الإستعانة بتلك العمالة الصينية غير المشروعة فى قطاع البناء والتشييد فى بناء المستوطنات الإسرائيلية – وهو ذاته مصدر التوتر بين الصين وإسرائيل – خاصةً مع إتباع الحكومة الإسرائيلية عدة سياسات لتشجيع العمالة الصينية، والأجنبية عموماً الوافدة للعمل في إسرائيل، منها طرد العمالة الفلسطينية من أعمالهم ومحاربتهم في أرزاقهم، والاستعاضة عنهم بعمالة صينية رخيصة. وبتحليل أثر العمالة الصينية الوافدة إلى إسرائيل على أمننا القومى العربي، سنلاحظ أنه قد توافد على إسرائيل، منذ الإنتفاضة الفلسطينية الأولى فى بداية التسعينيات من القرن الماضي، أكثر من نصف مليون مهاجر من العالم النامى، ولاسيما الصين، ليحلوا محل العمال الفلسطينيين الذين كانوا المصدر الأساسى للعمالة فى إسرائيل، وهو الأمر الذى حللته وأشرت إليه أكاديمياً وبحثياً، بأنه قد زاد من قلق البعض على إعتبار أن طرد والتخلص من العمالة الفلسطينية يأتي فى إطار خطة إسرائيلية ممنهجة وطويلة لبناء مستوطنات جديدة داخل الأراضى الفلسطينية المحتلة، الأمر الذى يستدل من ورائه على أن إحلال هذه العمالة الفلسطينية بأخرى صينية وغيرها، يأتى في إطار كسب تعاطف دولى من دول أصحاب هذه الجنسيات لغض بصرهم عن مثل هذه التحركات الصهيونية، وهو تحليل جدير بالدراسة والتحليل حتى وإن كان بعيد المدى.
وهذا ما يدفعنى بالتصريح ولأول مرة دولياً بمحاولتى الحصول على بيانات رسمية إسرائيلية من قبل وزارة الهجرة والعاملين الأجانب فى إسرائيل، تخص وتمس عملى الأكاديمى، لمعرفة أعداد العاملين الصينيين فى تل أبيب وبشكل أكاديمى وإحصائى دقيق، إلا أن طلبى قد قوبل بالرفض التام إسرائيلياً لأن ذلك يمس الأمن القومى الإسرائيلى. وأتى ذلك الرفض الإسرائيلى للإفصاح وبدقة عن عدد العمالة الصينية – الشرعية وغير الشرعية – لدى الدولة العبرية، عند كتابتى لكتابى المنشور دولياً بالإنجليزية والمصنف بأنه من أهم الكتب عالمياً، حول:
“تأثير الأقليات اليهودية ومراكز الفكر الإسرائيلية فى الصين على الأمن القومى العربى”
وهو الكتاب الذى أثار ضجة دولية شديدة، لدرجة شراء جامعة هارفارد المصنفة الأولى أمريكياً وعالمياً لنسخ منه، فضلاً عن شراء نسخ منه من قبل كبرى الجامعات الأمريكية والعالمية، والتى وضعتها فى مكتباتها للإطلاع العام، فضلاً عن التنويه والإشارة والتعريف بى على مواقع الجامعات الأمريكية الرسمية عالمياً، لتقديمى إلى الطلبة والباحثين الأمريكان، ونشرت معه (سيرة ذاتية تعريفية بى) على المواقع الرسمية لهذه الجامعات، فكانت أكبر الجامعات الأمريكية التى أشترت وعرضت كتابى، حول: “تأثير الأقليات اليهودية ومراكز الفكر الإسرائيلية فى الصين على الأمن القومى العربى”، هى: جامعات (هارفارد، واشنطن، ستانفورد، أوهايو، كولومبيا، نيويورك، بنسلفانيا، ميتشجان، يال)، وغيرها من الجامعات الأمريكية والعالمية.
وتأتى خطورة كتابى أمريكياً وإسرائيلياً ودولياً لإشارتى لأول مرة دولياً حول (تأثير تجنيد المتهودين الصينيين فى جيش الدفاع الإسرائيلى على الأمن القومى العربى مستقبلياً، وتأثير العمالة الصينية فى إسرائيل على الأمن القومى العربى فى مجمله)، بل وعلى توتر العلاقات بين الصين وإسرائيل فى الوقت ذاته، وذلك على أثر المطالبات الصينية الرسمية من نظيرتها الإسرائيلية بطرد تلك العمالة الصينية الوافدة غير الشرعية بالأساس من بناء المستوطنات الإسرائيلية لمخالفة ذلك لقرارات الأمم المتحدة والشرعية الدولية، وإغفال الحكومات الإسرائيلية لتلك المطالبات الصينية، بشأن عدم الإستعانة بالعمالة الصينية خاصةً غير الشرعية فى بناء المستوطنات الإسرائيلية والمطالبة بطردهم فوراً مع عدم الإلتزام الإسرائيلى بذلك القرار. وكما أشرت فقد رفض الجانب الإسرائيلى أى محاولات من خلالى للإلتفاف من أجل الحصول على تلك النسب والإحصائيات الدقيقة حول أعداد العمالة الصينية الرسمية وغير الرسمية أو غير الشرعية الوافدة، خاصةً تلك العاملة فى بناء المستوطنات والوحدات الإستيطانية الإسرائيلية بشكل غير شرعى، مع إعتراض الحكومة الصينية بإستمرار على تلك الخطوات الإسرائيلية فى الإستعانة بهم لإحراج حكومة بكين بالأساس لدى فلسطين وبلدان المنطقة، وهو ما تهدف إليه إسرائيل بالأساس مستقبلاً مثل إستعانتهم بصينيين متهودين لمحاربة الفلسطينيين فى قطاع غزة والأراضى الفلسطينية المحتلة فى جيش الدفاع الإسرائيلى. وهو ما نبهت وبشدة فى كتابى المشار إليه لخطورته.
وعلى الجانب الأمريكى، فإن إستمرار حكومة نتنياهو المتطرفة فى بناء المستوطنات والوحدات الإستيطانية، بات أكثر ما يثير حفيظة ومخاوف واشنطن مثل الصينيين كذلك، ويهدد بإستمرار بقاء رئيس الوزراء الإسرائيلى “بنيامين نتنياهو” على رأس السلطة فى إسرائيل، مع ما لوحظ من محاولات أمريكية مستميتة للتخلص منه فوراً وطرده من السلطة. وهناك عدة أسباب جوهرية دفعت واشنطن لإتخاذ هذا القرار للتخلص من “نتنياهو” الآن، رغم أنها كانت أكبر داعم له، وذلك لوصف الحكومة الجديدة التى يقودها “نتنياهو”، بأنها “الأكثر يمينية” فى تاريخ إسرائيل. كما أن حكومة نتنياهو الجديدة، تعد الأكثر تديناً وتشدداً فى تاريخ إسرائيل، لتكونها وتشكيلها من عدة أحزاب أرثوذكسية متشددة وفصيل دينى متطرف وحزب الليكود اليمينى المتطرف، بالإضافة للإستعانة بعدة شخصيات أخرى فى تشكيل حكومة نتنياهو تعد مثيرة للجدل، بسبب مواقفها المتشددة تجاه الفلسطينيين والقضية الفلسطينية والمنطقة العربية بشكل تام. فتلك الحكومة الإسرائيلية بمكوناتها الجديدة، ستقوض إمكانات نيل الفلسطينيين لحقوقهم المشروعة وذلك من خلال التوسع في سياسة الإستيطان والتهويد، وعدم إحترامها التام للقانون الدولى، بإعلانها الصريح والمباشر عن خطتها وسياستها المعتمدة لتوسيع نطاق الوحدات الإستيطانية فى الضفة الغربية وعلى الأراضى الفلسطينية المحتلة. مع وجود تحذير أمريكى شديد لإقامة مستوطنات جديدة شمال الضفة الغربية، مع تزايد الإنتقادات الأمريكية فى مواجهة حكومة نتنياهو المتطرفة، بشأن قانون الإنفصال أو فك الإرتباط والذى تم توقيعه عام ٢٠٠٥، والخاص ببناء المستوطنات الإسرائيلية.
ومن هنا جاء إستدعاء سفير إسرائيل فى واشنطن “مايك هيرتسوج” فى وزارة الخارجية الأمريكية على إثر خلفية إلغاء عدد من مواد قانون الإنفصال فى الكنيست الإسرائيلى، والذى قام أعضاء البرلمان “الكنيست الإسرائيلى” بإلغاء عدد من بنود قانون الإنفصال، والذى كان يحظر على اليهود العيش فى مناطق شمالى الضفة الغربية، إلا أن أعضاء متشددين فى الكنيست قاموا بتشكيل تكتل قوى لإلغاء عدة مواد من قانون الإنفصال لتوسيع حقهم فى الإستيطان، بزعم أن أراضى الضفة الغربية فى فلسطين جزءاً من وطنهم التاريخى، فضلاً عن الزعم الإسرائيلى بأن التوسع فى بناء المستوطنات سيساعد فى محاربة ما أسموه بالإرهاب وفى تطوير أرض إسرائيل وفق زعمهم، وهو ما ترفضه واشنطن والسلطة الفلسطينية ومصر والأردن وكافة بلدان المنطقة والمجتمع الدولى بشكل تام. وهو ما وصفته وزارة الخارجية الأمريكية ذاتها رسمياً، بـ “الخطوة الإستفزازية” التى تنتهك الوعود. مع التحذير الأمريكى لحكومة نتنياهو المتشددة، بأن خطة إلغاء عدد من مواد قانون الإنفصال لتوسيع المستوطنات فى شمال الضفة الغربية، يشكل عقبة فى طريق السلام الأمريكى الإسرائيلى فى فلسطين ومنطقة الشرق الأوسط، ويعرقل الخطط الأمريكية لتوسيع دائرة السلام وإتفاقيات مع دول المنطقة وإسرائيل. ومن هنا جاء تحذير الإدارة الأمريكية لحكومة نتنياهو بأن قرار الكنيست بإلغاء بعض مواد قانون فك الإرتباط أو الإنفصال لعام ٢٠٠٥، والمتعلقة بشمال الضفة الغربية، يأتى بنتائج عكسية لجهود التهدئة، ويعيق إمكانية متابعة إجراءات بناء الثقة وخلق أى أفق سياسى للحوار.
ويبقى الأخطر عندى وفق قراءتى وتحليلى للمشهد، هو إمكانية التهجير للفلسطينيين من أراضيهم واردة من قبل حكومة نتنياهو المتطرفة، وهو ما تم رصد بالفعل، عبر إتخاذ سلطات الإحتلال الإسرائيلى لعدة خطوات لطرد الفلسطينيين فى (حى سلوان) بالضفة الغربية تمهيداً لإنشاء وإقامة مستوطنات جديدة، وبالتالى فمع التوسع فى عملية التهجير القسرى للفلسطينيين من أراضيهم، سنكون أمام عمليات تطهير عرقى، وستحدث مواجهات لا بد وأن يتم التصدى الحتمى لها. ومع وضع المقدسات الإسلامية والدينية تحت الوصاية الهاشمية والملك عبدالله بن الحسين ملك المملكة الأردنية الهاشمية، فبات التحذير الشديد اللهجة من قبل ملك الأردن الملك عبدالله بن الحسين للتحذير من تجاوز الـ “الخطوط الحمراء الإسرائيلية” فى مدينة القدس، بالتأكيد المباشر من قبل الملك عبدالله بن الحسين، بإستعداده الشخصى للصراع فى مواجهة حكومة نتنياهو وسياساتها المتطرفة، إذا تغير وضع الأماكن المقدسة فى فلسطين. كما أن هناك قلقاً واسعاً أردنياً كذلك ممن يحاولون الضغط فى إسرائيل وحكومة نتنياهو المتطرفة، لإدخال تغييرات فى وصايته على الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية فى القدس الشرقية المحتلة، وهذا ما حذر منه الملك عبدالله بن الحسين من أن لديه “خطوطاً حمراء” يجب على إسرائيل الإنتباه لها وعدم تجاوزها إطلاقاً، وهو ما تخشاه واشنطن من حدوث إضطرابات إقليمية أوسع مع حكومة نتنياهو وسياساتها المتشددة تجاه الفلسطينيين والمنطقة العربية المجاورة، خاصةً مصر والأردن.
كما تسببت حكومة نتنياهو المتشددة فى تصاعد المخاوف الأمريكية والدولية والإقليمية بشأن إحتمال تطور العنف الإسرائيلى – الفلسطينى، والتساؤل عن مستقبل علاقات إسرائيل مع جيرانها العرب وحلفاؤها الغربيين أنفسهم، خاصةً أن العام الحالى كان بالفعل الأكثر دموية بالنسبة للفلسطينيين والإسرائيليين، مما يعيد إلى الأذهان شبح إنتفاضة فلسطينية جديدة، وهذا أكثر ما تخشاه واشنطن وإدارة “جو بايدن” فى المنطقة.
ومن هنا جاء سعى الإدارة الأمريكية للتخلص من حكومة نتنياهو، رغم نيلها الثقة من قبل الكنيست الإسرائيلى، بسبب حالة من المخاوف والتحذيرات سواء الغربية أو العربية من تشكيل حكومة تعتمد على اليمين المتطرف التى يقودها “بنيامين نتنياهو”. مع تزايد الإتهامات الأمريكية لحكومة إسرائيل الجديدة ووصفها بالأكثر تشدداً وتطرفاً فى تاريخ تل أبيب، مع إعتماد رئيس الوزراء الإسرائيلى “بنيامين نتنياهو” فى تشكيلها على مجموعة من أشد المتطرفين داخل الكيان المحتل، وسط توقعات بإحتدام الأوضاع فى الضفة الغربية وقطاع غزة ومخاوف من إندلاع إنتفاضة فلسطينية جديدة بسبب سياسات حكومته فى مواجهة الفلسطينيين، خاصةً بعد إعلان حكومة نتنياهو عن أجندتها الخاصة الجديدة، بشأن توسيع الإستيطان فى الضفة الغربية، وعدم إحترامها لقرارات واشنطن والمجتمع الدولى والمنطقة العربية المجاورة على وجه الخصوص، وهو ما يثير حفيظة ومخاوف الأمريكان وكافة الأطراف المجاورة، تخوفاً من إشتعال الأوضاع. وذلك بعد مخالفة قرار توسيع الإستيطان والوحدات الإستيطانية لحكومة نتنياهو لجميع قرارات الشرعية الدولية وأبرزها القرار رقم (٢٣٣٤) والصادر عن مجلس الأمن الدولى، والذى أكد أن الإستيطان فى الأراضى الفلسطينية المحتلة بما فيه القدس الشرقية، غير شرعى ومخالف لقرارات الأمم المتحدة والشرعية الدولية. ومن هنا فإن توسيع الإستيطان الإسرائيلى فى عهد نتنياهو يشعل الجبهة الفلسطينية والمنطقة كلها، ويجعل من المقاومة والوحدة بمثابة الأولوية الأولى للشعب الفلسطينى فى مواجهة أولويات الحكومة الإسرائيلية الجديدة بقيادة “نتنياهو”، وهذا قد يؤدى لإحداث إنتفاضة فلسطينية أخرى وخروج جموع الشعب الفلسطينى لمواجهة سياسات الإستيطان الإسرائيلية بتصعيد المقاومة وتوسيع رقعتها والضغط بكل الوسائل المتاحة لإقتلاع وطرد المستوطنين اليهود.
كما جاء إعراب الولايات المتحدة الأمريكية عن قلقها بشأن سياسات حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلى “بنيامين نتنياهو” الجديدة حول الإستيطان، متزامنة مع معارضة واشنطن لأى إجراء يتعارض مع مبدأ حل الدولتين، لذا تزايدت الدعوات الأمريكية لنتنياهو للقاء بايدن لبحث فرص السلام مع الفلسطينيين، خاصةً بعد موافقة الكنيست على حكومة نتنياهو فى يناير ٢٠٢٣. وهنا تجد إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، صعوبة في التعامل مع حكومة نتنياهو خاصة أن أغلبها من اليمين المتطرف، وبالأخص “إيتمار بن غفير” وزير الأمن القومى الإسرائيلى. ومن هنا بحثت الولايات المتحدة الأمريكية عن إيجاد طريقة من أجل التعامل مع أعضاء اليمين المتطرف في حكومة نتنياهو، تجنبا لحدوث مشاكل مع حليفتها المقربة إسرائيل. خاصةً مع توجهات حكومة نتنياهو المتشددة بشأن خطة التوسع الإستيطانى فى الضفة الغربية على رأس قائمة أولوياتها فضلاً عن بناء المزيد من الوحدات الإستيطانية، وهذا ما أعلنه صراحةً (حزب الليكود) الذى يتزعمه نتنياهو بتأكيده على “تطوير وتوسعة الإستيطان فى جميع أنحاء أرض إسرائيل، وتحديداً فى مدن الجليل والنقب ومرتفعات الجولان ويهودا والسامرة”، والتى تعد بمثابة الأسماء التوراتية للضفة الغربية.
وعلى الجانب الآخر، جاء رد أعضاء متشددين فى الكنيست الإسرائيلى على الإنتقادات الأمريكية لحكومة نتنياهو بشأن التوسع فى بناء المستوطنات، بتحذيرهم الإدارة الأمريكية بعدم التدخل فى سياسة إسرائيل الأمنية فى الضفة الغربية. بل وجاء التبرير الإسرائيلى لواشنطن عبر عدد من أعضاء الكنيست والحكومة الإسرائيلية المتطرفة، بأن الإدعاءات حول بناء المستوطنات فى المنطقة (ج) سيزيد من التوترات بين الإسرائيليين والفلسطينيين هو خطأ جوهرى من وجهة نظر الإسرائيليين، محذرين من تزايد ضغوط الحكومة الأمريكية بشأن قضية إلغاء قانون الإنفصال فى شمال الضفة، لأن ضغوط واشنطن على إسرائيل فى هذا الإطار، تشكل ضرراً لأمن إسرائيل، وفق التصور الإسرائيلى الدائر. وهو ما شكل أسباب جوهرية وقوية لدى واشنطن لمحاولة التخلص بشكل تام من إستفزازات حكومة نتنياهو وسياساتها المتشددة تجاه الفلسطينيين والمنطقة، وعدم إلتزامها بأى قرارات سابقة تم التوصل إليها بشأن المستوطنات والوصاية الأردنية الهاشمية على المقدسات الدينية فى القدس الشرقية، وغيرها.
وعلى الجانب الآخر، بات القلق الأمريكى من العلاقة بين الصين وإسرائيل فى عهد حكومة “بنيامين نتنياهو” فى ظل الدور الذى لعبته تل أبيب لنقل بعض التقنيات العسكرية الغربية المتقدمة لبكين. فالطائرة الأكثر عدداً لدى الصين هى (جى-١٠)، والتى يعتقد أن تصميمها إعتمد فى البداية على مشروع الطائرة الإسرائيلية “لافى”، والذى قدمته تل أبيب لبكين سراً خلال الثمانينيات، علماً بأن الطائرة الإسرائيلية بدورها متأثرة بتصميم الـ “إف-١٦” الأمريكية، وذلك بعد أن كانت واشنطن قد قدمت بعض المعلومات والتقنيات الخاصة بها للمشروع الإسرائيلى، أى أن التقنية الأمريكية تسللت لبكين عبر تل أبيب.
ومن هنا نصل لتحليل إستنتاجى ونهائى مفاده مدى قدرة الصينيين على الإستفادة من توتر العلاقات بين واشنطن وتل أبيب لتحقيق مصالحهم، إما بالضغط على حكومة نتنياهو المتشددة لطرد العمالة الصينية غير المشروعة من الأراضى الإستيطانية الإسرائيلية أو عبر الحصول على مميزات وتقنيات إسرائيلية متقدمة مقدمة لهم من واشنطن بالأساس. وهو ذاته ما يهدد الأمن القومى الأمريكى من ناحية التخوف من تنامى العلاقات بين الصين وإسرائيل، خاصةً فى عهد نتنياهو، بما يؤدى فى نهاية المطاف لنجاح الصينيين فى إستغلال تلك العلاقات المتوترة بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، بل والأخطر ذلك الجهر والتصريح الأمريكى عسكرياً وعلنياً بخطورة إستمرار رئيس الوزراء الإسرائيلى الحالى “بنيامين نتنياهو” على رأس السلطة فى الدولة العبرية. وهو ما يغضب تل أبيب وبشدة من واشنطن لصالح التقارب مع الصينيين، والذين – فى تصورى – قد قرأوا المشهد جيداً وخططوا له لتحقيق مصالحهم على حساب الأمريكان، وللدخول كوسيط موثوق به وكراعى للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين لحل الصراع العربى الإسرائيلى من ناحية، وللتخطيط من أجل حصول الصين على تقنيات أمريكية متقدمة من حكومة نتنياهو المتوترة علاقتها بالأساس مع واشنطن، فى ظل سعى الولايات المتحدة الأمريكية لطرد “نتنياهو” من السلطة الإسرائيلية، وأيضاً لإحداث ضغط صينى متزايد على حكومة نتنياهو لتجديد طلبها فى طرد العمالة الصينية غير الشرعية بالأساس من العمل فى قطاع البناء والتشييد فى المستوطنات والوحدات الإستيطانية الإسرائيلية. وفى إعتقادى وتحليلى الأخير، بأن الصين هى المستفيد الأول فى جميع الأحوال والظروف من توتر العلاقات بين واشنطن وتل أبيب.