علياء نصر تكتب .. عن السراب ؟!
كم هو مؤسف أن تمر بك الأيام وتمضى السنون ..ويأتيكما كنت تتمنى,وقد تأخر الوقت ،وتبدلت الأمنيات..
تلهث وراء أسباب الحياة،..فتسخر منك الحياة،..تسلبك ذاتها وتترك لك أسبابك الواهمة…ثم تهزأ بك في مشهدها الأخير.
فانتبه أيها المسكين…
تمر بنا الحياة تترى،..تتلاهث الأيام وتتلاحق السنون،..وسنة الحياة في خداع أهلها لاتزال تسري لا يوقفها شئ،..فنجد الشباب العشرينى والثلاثينى,وحتى البعض فى الأربعينات والخمسينات لا يشغلهم سوى هدف واحد, هو تأمين كل أسباب الحياة, الثراء،..المنصب الوظيفي،..الدرجات العلمية،…وكل ما يتوهم الناس أنها سبل السعادة وطرقها،… باختصار هم مشغولون بتأمين كل أسباب النجاح _بحسب تصوراتهم عن النجاح_فى هذه الدنيا..ولكن ما يحدث حقيقة ,_ وياللمفارقة المضحكة والمبكية معا_, أن الجميع يستفيق مؤخرا_والقليل جدا يستفيق مبكرا_على حقيقة أن سعيه الدؤوب فى تأمين أسباب الحياة, قد أفقده الحياة ذاتها, ..فالعمر قصير جدا, والأيام تهرول..,والزمن لا يرحم,.. يقضى المرء زهرة شبابه فى تأمين الغد, ..وحين يأتى الغد يكون قد فقد حماسته وروحه وقدرته على الاستمتاع بما كان بالأمس يتلهى بسبل الحصول عليه.. تشغلنا الأسباب لدرجة تطغى فيها على الغايات, ونفجأ جميعا فى نهاية عمرنا أننا بذلنا جهدا كبيرا , كبيرا جدا, ولكنه هدية مجانية وعطاء مبذول لغيرنا,لأننا لسنا على الحقيقة من سيسعد بقطف ثمار هذا الجهد وجنى حصاده, وإنما أولادنا ،والذين لا ندرى حتى هل سيحسنون تدبير أمر ما تركناه لهم أم سيبددونه ويبددون معه نتاج كفاحنا وبذلنا, لتراقبهم أرواحنا بعد موتنا آسفة متحسرة على كل ما بذلناه ولم يجن أحد منا نحن أو هم ثمرته.
متى ما كان الإنسان لاهثا طوال عمره وراء أسباب السعادة, وغير منتبه لحقيقة ما يجره إليه هذا الحلم الذى يحياه.. أيهديه بالفعل إلى السعادة التى ينشدها؟؟ أم يهوى به إلى ماراثون يسابق فيه الحياة ذاتها ..إلى حيث تسبقه الحياة ,بل وتسخر منه ومن أوهامه هازئة, حين ينظر إلى المرآة ليجد الشيب قد كلل مفرقه, وسلبه الزمن ما سلبه, من صحة وشباب وجمال وحيوية وحماسة،.. وهو لا يزال يلهث وراء سراب النجاح ،..حقيقة أقرها أحد الشخصيات التاريخية ،والذي بلغ أعلى مناصب السلطة وحاز أفضل درجات الوجاهة الاجتماعية،حيث قال ..(عشت ألهث وراء المال والمنصب والنجاح والسعادة خمسين عاما, ولم أسعد فى الخمسين عاما إلا أربعة عشر يوما, كم هو مؤسف) ..كلمات بترها الرجل الخمسينى متألما , لأنها حكمة متأخرة , أتخيل أنه قد نطق كلماته شاحبا, نادما على جهله بحكمتها حينما كان شابا نابضا بالحياة …
إن جل ما تفعله بنا الحياة هى أن تلهينا عنها بطلبها, تصرفنا عن التمتع بها بأن تضعنا على قائمة انتظار طويلة للوصول إلى غاية السعادة فيها , فى حين أنها _وبينما نحن جميعا نلهث إلي هذه الغاية_تسلبنا كل شىء , ولا تبقى لنا فى النهاية غير الحسرة على كل ما قد فات منا فى طلبها. ..مع ضحكة استهزاء ماكرة و ساخرة منها بنا , .. فقط العاقل هو من يأخذ منها سعادة عاجلة غير آجلة, ولا يقبل تسويف كل سعادته بها إلى أجل غير مسمى.سعادتنا بالحياة هى الغاية, ووسائل تحقيق هذه السعادة هى الفخ والكمين المنصوب لنا جميعا, فإما أن ننشغل بالوسائل ونتلهى بها عن بلوغ الغاية, وإما أن ننتبه جيدا لهذا الفخ المنصوب. ونأبى إلا أن نأخذ من الحياة كل ما نستحقه , ..اليوم ..أكرر ..اليوم ،..وليس غدا.
أيها الشباب العشرينى والثلاثينى , .. أنتم تنبضون بالحياة , فلا تنسوا تحت مسميات تأمين المستقبل والحياة أن تعيشوا حاضركم وتسعدوا بيومكم, لا تتركوا الحياة تسلبكم روحكم المضيئة ونقائكم الفطرى وجمالكم النابض وأحلامكم البريئة ,لا تدعوها تحولكم إلى ماكينات للعمل,..آلات لا مشاعر فيها بلا نبض أو روح،أو حياة..
أيها الرجل الأربعينى والمرأة الأربعينية.. فقدتم كثيرا, لكن لايزال لديكم الفرصة للاستفاقة ,فالزمن لا يرحم.والتردد لا يعنى سوى الوصول إلى حافة الشيب قبل بلوغ غاية الحياة الحق.
أيها الرجل الخمسينى والمرأة الخمسينية.. ما عدت تمتلك رفاهية التردد والتأنى, .. فما لا تعيشه اليوم,لن تعيشه أبدا.فاحذر تفلت العمر والحياة دون جنى ثمار كفاحك. واهرع لقطف ثمار جهدك وخذ من الدنيا بقدر ما أعطيت فيها،..فلم يبق الكثير..
وأخيرا .. إن لم تنجح أسباب النجاح فى إسعادنا , فلسنا إلا مخدوعون وموهومون , ولننتبه إلى حقيقة النعم التى منحنا الله إياها وفشلنا فى إسعاد أنفسنا بها , فكم من فاقد لهذه النعم يحيا حياة أسعد من تلك التى نحياها. فقط لأنه .. كان أكثر منا وعيا بحقيقة الحياة ..وأكثر جرأة على انتزاع سعادته منها.
فالأهم من (احتياز النعم) .. هو(القدرة على التنعم بها)
فكم من حائز للثروات والأموال ،وكم ممن وصل لأعلى الدرجات العلمية أوالمناصب الوظيفية ،واكتشف بعد فوات الأوان أن أيا منها لم يوصله للسعادة الحقيقية ،وتجده من الداخلل هشا منتكسا وإن توهم الآخرون فيه غير ذلك،..والعاقل عندى هو من اتخذ من طلب المال والترقي فى درجات العلم والتسلق فى سلم الوجاهة الاجتماعية مشوارا سعيدا يبذل فيه ما يجنى حصاده العاجل قبل الآجل،..بتحصله على متعة الشغف والترقي ،سعادة عاجلة بالتوازى مع تحصله على كل متع الحياة،..ولا أرى المسكين إلا من جعل الحياة معركة وقضى على نفسه فيها بدور المحارب الذي لا يهنأ منها بشئ،..حتى إذا انقضت المعركة مات جريحا قبل أن يتحصل على حصته من الغنائم….
فياله من قدر اختاره لنفسه،..ويالذاك الفخ الذي أسقطته فى الدنيا ،والكمين الذي تصيدته به الحياة.
فانتزعوا سعادتكم .. ولا تتركوا أسباب الحياة تطغى على الحياة ذاتها , فالعمر جد قصير ..
فإنما أنت بعض أيام,.. فإن ذهب يومك .ذهب بعضك ..
ولتبدأ اليوم ..اليوم وليس غدا .
فمن يدرى،.. هل يكون هناك غد أم لا؟.