نقطة ومن أول السطر.. أكذوبة القوى العظمى بقلم – أحمد القاضي
“من رحم المعاناة يولد الأمل..ومن قلب المأساة يولد الفرح.. ومن باطن الغيوم السوداء ينشق شعاع النور..!”
كثير منا يعرف لعبة تسمى “الدومينوز” ، في بعض الأحيان يضطر المتنافسان أو المتنافسون إلى إنهاء اللُعبة إجبارًا حيث أن اللُعبة في هذا الوقت تكون “قفلت” أي لا مجال لإنزال أي ورقة دومينو مع أي لاعب ما دام كل أطراف اللعبة وضعت السبعة أوراق التى بها هذا الرقم من الناحيتين ، وبالتالى لعدم وجود ورقة ثامنة لهذا الرقم هنا الدور يتوقف ويتجمد تماماً ، ومن ثم نُعيد صياغة ولعب الدور من جديد بأحكام وشروط اللعبة.
وها هو العالم من حولنا يتوقف عن إستكمال الدور ، تتجمد اللُعبة ، تتوقف أنظمة العالم أجمع وعلى الأخص المتقدم المتجبر عن إستكمال دوره ، أو كما قال أحدهم ” إنتهت حلول الأرض ولم تتبقى سوى حلول السماء”
منذ منتصف القرن التاسع عشر ومع إنطلاق الثورة الصناعية في القارة العجوز وما آلت إليه الحياة من تطور وتقدم تكنولوجي متسارع وقد صُدعت عقولنا ومُلئت أسماعنا وأبصارنا بالقدرات الرهيبة للإمبراطوريات المترامية الأطراف سواءًا في أوروبا أوشرق أسيا أو الولايات المتحدة الأميريكة. وبطبيعة الحال كنا على ثقة بأن هذه القوى العظمى لديها من الإمكانيات العلمية والبحثية والتكنولوجية ما هو كافٍ لإنقاذ البشرية من أي تهديد قد يظهر ، بل تجاوزنا تلك الحدود لدرجة إقناع وإشباع عقولنا بقدرات بعض الدول على إنقاذ الكرة الأرضية من هجوم كائنات فضائية ونيازك وما شابه.
كم من مرات عدة دخلنا دور العرض السينمائي وجلسنا مع الصفوف المكتظة بالمشاهدين المشدوهين مسحوبي الحواس أمام استعراض تلك القدرات الخارقة لهذه القوى العظمي والتي كان غرضها أن تقدم لنا من خلال قواها الناعمة ما يبرهن على تفوقها التكنولوجي والعلمي الصارخ وكان غاية أحلامنا نحن دول العالم الثالث النامي أن نصل إلى عُشر تلك القُدرات يومًا ما.
ولكن فقط في أقل من 100 يوم وبوتيرة متصاعدة وبشكل هيستيري أرتفعت معدلات الإصابة بفيروس الكورونا المستحدث ووجدنا دولاً عُظمى بمعنى الكلمة تتسابق على البكاء والنحيب من أجل كسب تعاطف العالم المشغول بنفسه ، وكلٌ يبكى على ليلاه ، ومع زيادة المعدل اليومي للوفاة جراء الفيروس تراجعت معدلات تخصيب اليورانيوم المشع وكذلك مبيعات الأسلحة وتوقفت الحروب في كل أرجاء الأرض وكأن العالم أجمع ركع أمام جبروت الفيروس وجاءت لطمة الكورونا أقوى من قرارات مجلس الأمن وجامعة الدول العربية والكيانات الوهمية التي ليس لها غرض سوى لعب الأدوار المرسومة لها ، كلٌ ترك سلاحه وذهب ليبحث عن الرمق الأخير والأمل المتبقى في حياة بسيطة صحية حتى وإن كانت بدائية بلا تكنولوجيا ولا رفاهية ولكن فقط “حياة”، وبدلاً من تحريك الأسطول الحربي للدفاع أو للهجوم تحرك للبحث عن بكر المناديل والمطهرات والكمامات الطبية ، ومارست دولاً متقدمة سياسيًا ومتحررة فكريًا دوراً جديداً في القرصنة على شُحنات الكمامات وأجهزة التنفس الإصطناعي، فالكل يبحث عن النجاة. وما هي إذن فائدة التكنولوجيا المتطورة إن لم تستطع أن تهب الحياة للانسانية أو بالأحرى الحفاظ عليها من خطر الإنقراض.
إن المشهد الغريب الذي بدا يظهر على شاشات التلفاز ووسائل التواصل الإجتماعي حينما نرى العملات الورقية والنقود تلقى من شُرفات المنازل على الأرض لهي خير دليل على أنه لن تكون هناك ريثما قيمة لأي شئ ما دامت ليس هناك حياة ليس هناك طمأنينة في غد مُشرق فلما الإحتفاظ بالأرصدة في البنوك؟ وما الغرض إذن من إقتناء المجوهرات والسيارات والقصور الفارهة إن كانت أنوار الحياة تطفأ من حولنا رويدًا رويدًا.
ما قامت به المافيا في إيطاليا والبرازيل لهو الدليل على ما ذكرته سابقا ، هل كلا منهما يود أن يخدم المواطنين سواء في ايطاليا أو البرازيل؟ أشك في ذلك ، ولكنهم يبحثون عن القيمة ، عن السكان ، عن عِمارة المكان فليس هناك قيمة للمافيا أو حتى العصابات ما لم تكن هناك حياة وبشر يمارسون عليهم البلطجة ويبيعون لهم السلاح والمخدرات.
ومن خلال تلك المحنة يبدو أنها ستقدم لنا منحة ، وسنعيد ترتيب أولويات وكيانات بعدما :
سقطت أسطورة “الدول العظمى” .. لن تُفيد جوازات السفر لأمريكا ولا كندا ولا أوروبا ، والطب والعلاج لديهم أصبح مماثل لما هو لدينا ، والشغل والمستقبل المشرق أصبح ضبابياً ، وتساوت كل البلاد، كبيرها مثل صغيرها.
عجزت منظومة “العِلم والتكنولوجيا”، الذين كنا نؤمن بقدراتهما ، أنهما يستطيعان فعل كل شيء ، أصبحا واقفين عاجزين أمام فيروس. والعلماء اللذين شككوا في الله وكتبه ورسله ، وكسروا قواعده ، وكفروا به وتحدوا نظامه وخرقوه ، أصبحوا الآن يدعونه ويتوسلون إليه ليعلمهم ويلهمهم المخرج من هذا الجحيم.
إنتهت سطوة الأغنياء والعظماء ، وتساوى الجميع ، لم يعد هناك مصطلح الـ VIP ، ولا سعادتك أو جنابك أو فخامتك. أصبح الجميع بلا حماية، ولا جاه، أو سلطة.
سقطت قيمة النقود والثروة أمام جبروت فيروس متناه الصغر ، ووضح عجزُهما أمامه ، ، ولم يعد المال يصنع السعادة والحماية ، بل تساوى الغني والفقير، وتبخرت نصف ثروات العالم في شهور، بحثا عن علاج لم يظهر بعد.
سقطت أسطورة “أنا مهم”. أهميتك ذهبت، وتحكمك وسلطانك لم يعد له أي داع. وبقيت سجينا، بل مُسلسلاً ومُقيدًا بين الجدران الأربع ، مُختبئًا خلف قناع وقفاز ، ولم يعد هناك من يبحث عنك ، ولا على مظهريتك وأهميتك الفارغة.
سقطت أسطورة الملكية. لم يعد هناك معنى لما تملك، وأنت تعلم أنه لن ينفعك ولن يغني عنك شيئاً.
توقفت “النزاعات والإختلافات”. نتشاجر مع من ، وعلى ماذا ، ولماذا ، وكيف ؟؟ عندما إكتشفنا أن خلافاتنا كانت على بضعة أيام هربت منا، وإستهلكنا أعمارنا في الكراهية والحقد والظلم.
فقدت الأيام معناها فأصبح الإتنين كالثلاثاء، واﻷربعاء مثل الخميس، كل يوم كالذي يليه ، ولا تجد ما تفعله، سوى النوم والأكل ومتابعة مواقع التواصل الاجتماعي ونشرات الاخبار. وهكذا أصبح العمر يجري ، وأنت الذي كنت تضيعه، من