الثأر في الصعيد حكايات بين الدم والنار
تحقيق علاء حمدي قاعود
تعد ظاهرة “الأخذ بالثأر” من أخطر الظواهر الاجتماعية التي تواجه المجتمع المصري وخاصة في صعيد مصر الذي يسيطر عليه الطابع القبلي.
ولظاهرة “الأخذ بالثأر” أثار اجتماعية واقتصادية وأمنية وإنسانية ونفسية سلبية بالغة على الفرد والمجتمع على حد سواء تمتد لعدة أجيال ولا تقتصر على جيل واحد.
ويحيا غالبية مواطني قرى محافظة سوهاج خاصة من الأطفال والنساء على أمل أن يجد حياة خالية من القتل والدم المصحوب بمشاعر الحزن والخوف من ذويهم وعشيرتهم.
وسجلت الأعوام العشرة الأخيرة جريمة ثأر علي الأقل شهريا حيث بلغت عدد جرائم الثأر خلال هذه الفترة بمحافظة سوهاج وحدها نحو 200 جريمة ثأرية بلغت ذروتها في ذلك شأن الكثير من قرى ومدن صعيد مصر علي ثقافة “الأخذ بالثأر” بما يحافظ على دائرة الدم والموت.
وتعاني القري من الأمية والجهل نظرا لتدني نسبة التعليم فيه
وتقول فتحيه (70 عاما) من قرية الفاو بسوهاج إنها فقدت زوجها وابنها منذ ما يقرب من 15 عاما بسبب الثأر ولم يتبقى لها سوء ابن واحد وثلاث بنات.
وأضافت فتحية للانتماء المصري إنه رغم وجود عدد من المشكلات بالقرية إلا أن التفكير الغالب علي جميع النساء في القرية يتمثل في القتل والثأر وحمل السلاح.
ولفتت إلى أن الأرملة تفضل أن يأخذ ابنها بالثأر لعائلته حتى وإن فقدته هو الآخر والأهم من وجهة نظرها أن تسير مرفوعة الرأس مشيرة إلى أنه كثيرا ما تعلن النساء خوض حرب الثأر بأنفسهن.
ويروي محمد ع. (62 عاما) بينما يجلس علي مصطبة أمام منزله بـ “بنجع اولاد نصير أن نجل شقيقه البالغ من العمر 15 عاما راح ضحية إحدى الخصومات الثأرية مضيفا أن والده عندما شاهده غارقا في دمائة سقط ميتا وتم دفنهما سويا في مقبرة واحدة.
وأشار محمد للانتماء المصري إلى أن تلك الخصومة استمرت عدة سنوات حتي تم التصالح بقبول القودة منذ ما يقرب من خمسة اعوام ووقف نزيف الدم بفضل جهود لجان المصالحات والأجهزة الأمنية والشعبية.
و”القودة” مراسم يتم فيها حضور القاتل على مرأى ومسمع عدد كبير من الناس سيرا على الأقدام حاملا كفنه على يده ليقدمه إلى أهل القتيل الذين لهم الحق أن يعفوا ويصفحوا عنه أو يقتلوه وغالبا ما يتم الصفح عن القاتل ويتوقف نزيف الدم ومسلسل الأخذ بالثأر.
أحد التلاميذ والذي طلب ذويه عدم الافصاح عن اسمه والبالغ من العمر 12 عاما بالصف السادس الابتدائي قال “أتمني أن أتلقى العلوم الدراسية من المدرسين بالمدرسة الذين لا نجدهم لأنهم يخافون من الحضور للمدرسة خوفا من المشاكل الثأرية بين العائلات وبعضها بالقرية خاصة وأن جميع المدرسين من خارج القرية”.
وأشار إلى أنه “لا يوجد بالقرية من يكمل تعليمه إلا نادرا بينما نتعلم منذ الطفولة المبكرة من أهلنا حمل السلاح وكيفية استخدمه ودخولنا المعارك الثأرية رغم عنا”.
وتابع بلهجة يملؤها الأسى “أتمنى أن أجد نفسي يوما ما أحمل القلم بدلا من السلاح كي استطيع أن أصبح يوما ما نافعا لوطني ولأهل قريتي”.
يضيف محمود .ع (65 عاما) موجه سابق بالتربية والتعليم وهو والد إحدى ضحايا الخصومات الثأرية حيث قتل ولده بعدة طلقات من الرصاص قبيل الاحتفال بزفافه بينما كان الاستعداد لإقامة العرس على قدم وساق وتوفيت والدته حزنا وكمدا عليه بعد نحو 10 أشهر.
وأشار محمود إلى أنه بعد حوالي عامين ونصف العام تمت الاستجابة لمفاوضات لجان المصالحات وقبل بالقودة وأنهي الخلاف من أجل أن تعيش القرية فى أمن وسلام وليحافظ على باقى أولاده من أن يلقوا نفس المصير.
ولفت إلى خطورة ظاهرة الثأر باعتبارها من أشد معوقات التنمية منوها بأن الصلح يساهم في البناء والتقدم وتحقيق خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية لا تأتى إلا بالأمن والأمان.
حيث إن هذه الإجراءات كان لها أبلغ الأثر في تضييق الخناق علي كافة العناصر الخارجة علي القانون التي تأجج الصراعات الثأرية بين العائلات والقبائل بمحافظة سوهاج مؤكدا الإلتزام بسياسة وزارة الداخلية المصرية بالقضاء على عادة الثأر والخصومات خاصة في جنوب صعيد مصر.