اسرار مثيره وراء تاييد القضاء لنظام الثانويه العامه الجديد
كتب حسام الليثى
أيدت الدائرة السادسة بمحكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة، برئاسة المستشار سيد عبدالحميد الهنداوي نائب رئيس مجلس الدولة، نظام التعليم الجديد بالثانوية العامة واستمرار نظام الدراسة والتقييم بالتابلت الإلكتروني من خلال شبكة الإنترنت، واعتماد النظام التراكمي لشهادة إتمام الدراسة الثانوية العامة، وذلك ابتداء من الصف الأول الثانوي للعام الدراسي
وقضت المحكمة أمس بعضوية المستشارين الدكتور محمد حسن، عصام ابو العلا، خالد سيد سالم، محمد المتولي علي المتولي، إمام فهمي أبو يوسف، محمد حسين، أحمد السيسي، طارق منيسي، احمد، ومحمد نجيب مهدي، بعدم قبول الدعوى رقم 39166 لسنة 73 ق، لانتفاء القرار الإداري، ورفضت كذلك طلب وقف تنفيذ وإلغاء قرار وزير التربية والتعليم رقم 344 لسنة 2018، فيما تضمنه من اعتماد نظام الدراسة والتعليم باستخدام التابلت الالكتروني من خلال شبكة الإنترنت، وألزمت المدعى المصروفات، وأمرت بإحالة هذا الطلب إلى هيئة مفوضي الدولة لإعداد تقرير بالرأي القانوني في موضوعه.
كما قضت المحكمة برفض طلب وقف تنفيذ قرار مجلس الوزراء الصادر بجلسته رقم 13 المنعقدة بتاريخ 11 مارس 2018، فيما تضمنه من اعتماد النظام التراكمي لشهادة إتمام الدراسة الثانوية العامة ابتداء من الصف الأول الثانوي للعام الدراسي 2018/2019.
قالت المحكمة في حيثيات حكمها، إن الثابت من الأوراق أن مجلس الوزراء ناقش بجلسته رقم 13 المنعقدة بتاريخ 11/3/2018 خطة تطوير التعليم ما قبل الجامعي وفقاً للرؤية المطروحة من الوزير المختص والتي من بين محاورها تعديل نظام الحصول على شهادة إتمام الدراسة الثانوية العامة، بإلغاء الامتحان القومي الموحد المقرر في السنة الثالثة والاستعاضة عنه باثني عشر امتحانا تراكمياً خلال السنوات الدراسية الثلاث بواقع أربع امتحانات في كل سنة دراسية، بحيث يحتسب للطالب متوسط الدرجات في أعلى ست امتحانات لتحديد المجموع المؤهل للالتحاق بالجامعات ،على أن يتم توزيع الوزن التقييمى للثلاث سنوات بواقع 20% للصف الأول و40% للصف الثاني و40% للسنة الثالثة.
وإذ جاء القرار المطعون بالموافقة على هذا التعديل في ضوء رؤية الخطة والبدء في اتخاذ جميع الإجراءات اللازمة لتنفيذ ذلك، فإن هذه الموافقة – والحال كذلك – لا تعدو أن تكون توجيهاً للوزير المختص باتخاذ الإجراءات اللازمة لوضع المقترح موضع التنفيذ، بإعداد مشروع القانون اللازم بتعديل المادتين المذكورتين للعرض على مجلس النواب بحسبانه السلطة المختصة في هذا الشأن، تمهيداً لإقراره وفقاً للإجراءات الدستورية المقررة في هذا الشأن، وذلك على نحو ما أقر به رئيس قطاع التعليم في محضر جلسة 17/8/2019، ما يعنى أنها من قبيل الإجراءات الداخلية التمهيدية الموجهة أصلا إلى الوزير المختص ولا ترقى إلى مرتبة القرار الإداري الذي تتجلى فيه إرادة الجهة الإدارية الملزمة والمفصحة عن إنشاء مركز قانوني معين خاص بالمدعى، وأن ما ساقه المدعى تدليلاً على طلبه من تصريحات تليفزيونية وصحفية تؤكد تراكمية الثانوية العامة ابتداء من الصف الأول الثانوي للعام الدراسي 2018/2019، لم تدعمه المستندات ولا تخرج هذه التصريحات في ميزان الإثبات عن كونها خبراً صحفياً جاء محصلة لتفاعلات محررة الذاتية مع المحيط الاجتماعي الذي يستمد منه الخبر، وهو بهذا الوصف لا يصح أن يكون سنداً لذلك الادعاء، الأمر الذي تقضى معه المحكمة بعدم قبول الدعوى لانتفاء القرار الإداري بالنسبة لهذا الطلب.
ومن حيث إنه عن طلب وقف وإلغاء قرار وزير التربية والتعليم رقم 344 لسنة 2018 فيما تضمنه من اعتماد نظام الدراسة والتقييم لطلاب الصف الأول الثانوي ابتداء من العام الدراسي 2018/2019 باستخدام التابلت مع ما يترتب على ذلك من آثار، فإنه انطلاقا من أهمية التعليم باعتباره الركيزة الأساسية للنهوض والتقدم أفرد له الدستور الحالي الصادر عام 2014 خمس مواد كاملة 19 – 23 ، حيث اعتبره حقا لكل مواطن هدفه بناء الشخصية المصرية والحفاظ على الهوية الوطنية، وتأصيل المنهج العلمي في التفكير، وتنمية المواهب وتشجيع الابتكار، وترسيخ القيم الحضارية والروحية وإرساء مفاهيم المواطنة والتسامح وعدم التمييز، وألزم الدولة تشجعيه وتطويره بما يتناسب واحتياجات سوق العمل ومراعاة أهدافه في مناهج التعليم ووسائله وتوفيره وفقاً لمعايير الجودة العالمية، وجعله إلزاميا حتى نهاية المرحلة الثانوية أو ما يعادلها مع كفالة مجانيته بمراحله المختلفة في مؤسسات الدولة التعليمية وفقاً للقانون، وخصه بنسبة من الإنفاق الحكومي لا تقل عن 4% من الناتج القومي الإجمالي تتصاعد تدريجياً حتى تتفق مع المعدلات العالمية، وأكد على أن المعلمين وأعضاء هيئة التدريس ومعاونيهم هم ركيزته الأساسية وألزم الدولة بكفالة تنمية كفاءاتهم العلمية ومهارتهم المهنية ورعاية حقوقهم المادية والأدبية بما يضمن جودته.
وتابعت المحكمة أن العملية التعليمية تقودها الأجهزة التعليمية التربوية وعلى رأسها المجلس الأعلى للتعليم قبل الجامعي برئاسة وزير التربية والتعليم الذي وسد له المشرع في إفصاح جهير الاختصاص بتطوير التعليم قبل الجامعي على النحو الذي يحقق هدفه في تكوين الدارس تكويناً ثقافياً وعلمياً وقومياً، من النواحي الوجدانية والقومية والعقلية والاجتماعية والصحية والسلوكية، بقصد إعادة بناء الإنسان المصري المؤمن بربه وبقيم الخير والحق والإنسانية، وتزويده بالقدر المناسب من القيم والدراسات النظرية والتطبيقية والمقومات التي تحقق إنسانيته وكرامته وقدرته على تحقيق ذاته، للإسهام بكفاءة في عمليات وأنشطة الإنتاج والخدمات، وتهيئته لمواصلة التعليم الجامعي سعيا لتنمية المجتمع وتحقيق رخائه وتقدمه.
وأضافت أن الثابت من ظاهر الأوراق وفى حدود الفصل في الشق العاجل من الدعوى دون التوغل في الموضوع، أنه إنطلاقا من توجيهات القيادة السياسية نحو تطوير التعليم وإعلان عام 2019 عاماً للتعليم، وتمشياً مع الزخم العالمي المتسارع والمتزايد نحو إنتاج المعرفة المتغيرة بكل أبعادها المقترنة بتطور هائل في المجالات والاستخدامات التكنولوجية التي اقتحمت كل دروب الحياة، أطلقت الدولة ممثلة في وزير التربية والتعليم والتعليم الفني المشروع القومي لتطوير التعليم قبل الجامعي على النحو الذي يجعله تعليماً داعماً للتنمية بإعداد مخرجاته لمواجهة المستقبل، من خلال المناهج المتطورة والأساليب التي تساير معطيات العصر ، حتى تكون متوافقة مع متطلبات سوق العمل المحلى والإقليمي والعالمي.
ولما كانت المناهج الدراسية وطرق التدريس تشكل محور اهتمام جميع أصحاب المصلحة في النظام التعليمي من تلميذ ومعلم وموجه وإداري وولى أمر ومن خلفهم مجتمع يتطلع لما تنتجه هذه المناهج من كوادر جيدة التأهيل أكثر استجابة لمتطلبات المرحلة القادمة بكل أبعادها، كان تطوير المصادر التعليمية وطرق التدريس من خلال دمج تكنولوجيا المعلومات والاتصال في عملية التعليم والتعلم أحد المحاور الرئيسية التي يقوم عليها المشروع، وذلك بتقرير استخدام اللوح الإلكتروني (التابلت) كوسيلة للدراسة والتدريس والتقييم عبر شبكة الإنترنت لطلاب الصف الأول الثانوي ابتداء من العام الدراسي 2018/2019، كخطوة للحد من الاعتماد على الكتب الورقية كمصدر وحيد للعملية التعليمية، بغية الانتقال بالطالب من مرحلة الحفظ والتلقين إلى مرحلة الفهم والتحليل والنقد والابتكار والإبداع، بما يؤهله لاستكمال دراسته الجامعية وانخراطه في سوق العمل على وجه يتواكب ومعطيات الواقع المعاصر.
وإذ صدر القرار المطعون فيه والحال كذالك من السلطة المختصة بتقرير استخدام التابلت لطلاب الصف الأول الثانوي اعتبارا من العام الدراسي 2018 /2019 في 19/8/2018 – قبل بداية العام الدراسي – وبعد إقراره من مجلس الوزراء بجلسته رقم 13 المنعقدة بتاريخ 11/3/2018، وموافقة المجلس الأعلىّ للتعليم قبل الجامعي بجلسته المنعقدة بتاريخ 5/7/2018، فمن ثم يكون قد جاء – بحسب الظاهر من الأوراق – مستوفياً اشتراطاته القانونية متفقاً وصحيح حكم القانون، الأمر الذي ينتفي معه ركن الجدية في طلب وقف تنفيذه، ولا يغير من هذا النظر ما ينعاه المدعى على القرار المطعون فيه إخلاله بمبدأ تكافؤ الفرص فيما بين طلاب المرحلة الواحدة لاختصاص كل طالب بامتحان مستقل به، فذلك النعي في غير محله، حيث تجرى الاختبارات على نحو ما جاء به القرار الطعين بواقع أربعة نماذج على مستوى الجمهورية، وهو ما يعد أكثر تحقيقاً لتكافؤ الفرص فيما بين الطلاب إذا ما قورن بالوضع السابق الذي تستقل فيه كل مدرسة بوضع امتحان خاص بطلابها، فضلاً عن أن نظام التابلت بما يتضمنه من أدوات معرفية ووسائل توضيحية – حسبما أوضحه رئيس قطاع التعليم – كفيل بأن يحد من التمييز بين أبناء الطبقة الغنية التي اتجهت إلى التعليم الخاص والأجنبي بإمكاناتهما العالية وأبناء الطبقة الفقيرة التي اتجهت إلى التعليم الرسمي بإمكاناته المحدودة، حيث يوفر الخدمة التعليمية لسكان الحضر والريف والمناطق العشوائية والنائية بذات المستوى على
كما لا ينال من هذا النظر أيضا ما كشف عنه الواقع العملي لتطبيق النظام في أولى تجاربه عند إجراء امتحانات منتصف ونهاية العام الدراسي من سقوط السير فر وتعطل الأجهزة لعدم توافر البنية التحتية التكنولوجية اللازمة لتطبيقه، فتلك المشكلات – وعلى فرص صحتها – لا تعدو أن تكون عقبات فنية تقنية مما تستقل الجهة الإدارية بتقدير تأثيرها على سلامة تطبيق النظام والعمل على تلافيها دون معقب عليها في هذا الصدد من القضاء، لأنها وإن شابت التطبيق العملي للنظام فإنها لا تمس سلامة القرار الصادر بتطبيقه ولا تصلح لأن تكون سنداً لإلغائه، فلئن كان مجلس الدولة حريصاً على النهوض باختصاصاته الدستورية والقانونية بصفته صاحب الولاية العامة والقاضي الطبيعي المختص بنظر الطعون في القرارات الإدارية وسائر المنازعات الإدارية والتي ما فتئ قائماً عليها باسطاً ولايته على مختلف أشكالها وتعدد صورها، فإنه لا يقل حرصاً على ألا يتجاوز حدود اختصاصه الذي يقتصر على إجراء رقابته على ما تصدره الإدارة أو تمتنع عن إصداره من قرارات إما بإلغاء القرار أو إبراء ساحته دون أن يحل محل الإدارة في الاختصاصات الموكولة إليها، وذلك انحناء لصحيح حكم المشروعية ونزولاً على اعتبارات سيادة القانون.
وأكدت المحكمة أنها إذ تقضى برفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه فإنها لتدرك أن تطوير التعليم أصبح ضرورة حتمية باعتباره يمثل الجناح الثاني لمنظومة إعادة بناء الإنسان المصري التي تقوم على النهوض بمنظومتي التعليم والبحث العلمي، لما يمثلانه من أهمية بالغة في تحقيق التنمية المستدامة التي تسعى إليها الدولة تلبية لأهداف ثورتي 25 يناير – 30 يونيه، مما يجب أن يحظيا بالأولوية الأولى في أي مشروع قومي للدولة ، وأن تسخر لهما كافة الإمكانيات اللازمة، وهو ما يتطلب شجاعة من صانع القرار السياسي في إطار الشرعية الدستورية والقانونية، وتقبل وتفهم من المواطنين لما يحيط بالتطوير من صعوبات وما يستلزمه من تضحيات في سبيل تحقيقه، وعليه فإن المحكمة تهيب بكافة مؤسسات الدولة ذات الصلة أن تتضافر جهودها مع وزارة التربية والتعليم حتى يؤتى المشروع أكله على النحو وفى الوقت المطلوب، كما تهيب بأولياء الأمور تقبل النظام وعدم مقاومته حتى يتسنى للوزارة المضي في تقييمه وتقويمه، فالتطورات السريعة في السياسة العالمية والاقتصاد العالمي تجعل المنافسة التي سيواجه الأبناء للحصول على وظيفة في المستقبل القريب، تتطلب التحلي بالصبر والمثابرة.