تحالف أوكوس و (إنقسام الديمقراطيات البحرية) فى مواجهة واشنطن مقابل (توحيد الشيوعية البحرية بقيادة بكين) وإستراتيجية الحوكمة البحرية الصينية

 

تحليل الدكتورة/ نادية حلمى

الخبيرة فى الشؤون السياسية الصينية والآسيوية- أستاذ مساعد العلوم السياسية جامعة بنى سويف

The Aukus alliance and the (global order split of maritime democracies) against Washington in contrast to (Nautical Communism unification) led by Beijing, and China’s Maritime Governance Strategy

– العناصر الرئيسية فى التحليل:

١) إعلان (التحالف الفرنسى- الهندى) فى مواجهة (التحالف الأسترالى- الأمريكى) لإنشاء (نظام تعددى جديد)، وتعارض تحالف أوكوس مع تحالف “العيون الخمس الإستخباراتى الأنجلوسكسونى”، ورفض “نيوزيلندا” للصفقة الأسترالية مع بريطانيا

٢) تحالف أوكوس والإنقسام بين (دول الديمقراطيات التكنولوجية والدفاعية ضد واشنطن)، لصالح تقوية التحالفات التكنولوجية والدفاعية الصينية مع أنظمة سياسية موالية لبكين

٣) إنقسام (تحالف الكواد الرباعى الإقليمى) ضد الصين بقيادة واشنطن، (بتحالف الهند مع فرنسا دفاعياً، وتحالف الهند مع إيران إقتصادياً وإستراتيجياً لصالح الصين) يفشل ويقيد (تحالف الأوكوس) ضد الصين

٤) توحيد جبهة التحالفات الشيوعية البحرية الصينية فى مواجهة الديمقراطيات الإستبدادية البحرية بقيادة واشنطن

٥) دعم بكين لإستراتيجية “الحوكمة البحرية” فى منطقتى (المحيطين الهندى والهادئ، والإندو-باسيفيك)، فى مواجهة “تحالف أوكوس الدفاعى” بقيادة واشنطن

منذ توقيع “تحالف أوكوس الدفاعى بين الولايات المتحدة الأمريكية وأستراليا وبريطانيا”، لاحظت الباحثة المصرية كخبيرة معروفة فى منطقتى فى الشأن السياسى الصينى، فضلاً عن قربى الشديد من عدد من الملفات السياسية الصينية فى الشرق الأوسط شيئاً خطيراً يحدث، ألا وهو:

– محاصرتى أكاديمياً وتحليلياً بعدد متزايد من الإيميلات الواردة لى من مراكز فكر ومجموعات بحثية أمريكية وغربية، للترويج لفكرة (تحالف أوكوس وإنشاء الولايات المتحدة الأمريكية لنظام عالمى جديد).

– إصرار عدد كبير من الزملاء الأكاديميين فى الغرب والولايات المتحدة الأمريكية، بأن على الإعتراف بهزيمة الصين دفاعياً وأمنياً فى مواجهة واشنطن، بالإعلان عن “تحالف أوكوس الدفاعى فضلاً عن تحالف كواد الرباعى السابق بقيادة واشنطن أيضاً”.

– ترافق ذلك أيضاً وربما لأول مرة، مع عدد كبير من الدعوات الدولية التى وصلتنى للعمل فى عدة جامعات وعدد من المشروعات البحثية، لوضع تصوراتى وفكرى لشكل النظام العالمى الجديد، ولاسيما مع خبرتى البحثية والأكاديمية المتعمقة منذ سنوات طويلة فى ملفات الصين فى منطقة الشرق الأوسط وعالمياً.

– بل وتزامن ذلك أيضاً بدعوة تلقيتها من التلفزيون السورى بتحليل “أزمة الغواصات الأسترالية مع فرنسا، وإتفاقية أوكوس الدفاعية”، وذلك يوم الأربعاء الموافق ٢٢ سبتمبر ٢٠٢١، والتنويه للمتابعة الأمريكية لتحليلى حول تلك الأزمة مع محللين دوليين آخرين، بتغطية كلمة للمتحدث بإسم الخارجية الأمريكية قبل بدء البرنامج مباشرةً لتحليل تلك الأزمة المثارة، بشأن “إتفاقية أوكوس الدفاعية بين واشنطن وأستراليا وبريطانيا”.

– بل وتماشى ذلك أيضاً معى مع (رغبة بحثية وأكاديمية عميقة فى داخلى بإستكمالى لمشوارى البحثى والأكاديمى والتحليلى والعملى من داخل بكين مرة أخرى، لدراسة كافة تلك التغيرات الفعلية الجديدة فى تلك المنطقة المحيطة بالصين)، ولاسيما مع الإصرار الأمريكى عام ٢٠١٧، بتغيير إسمها من (منطقة “آسيا-الباسيفيك” إلى منطقة “الإندو-باسيفيك”)، أى منطقة المحيطين الهندى والهادئ، لضمان إستبعاد الصين عن تفاعلات تلك المنطقة المحيطة إقليمياً بها، فى مقابل إشراك الهند كحليف لواشنطن ومنافس للصين بها.

– وربما ما أدهش الباحثة المصرية أكاديمياً وفكرياً وبحثياً، بالنظر لفهمى العميق لتفاعلات تلك المنطقة الحساسة المحيطة بالصين، وفقاً (لوجهتى النظر الصينية والأمريكية معاً)، هو تلك الحالة العالمية الأكاديمية والبحثية التى حدثت، بإنشاء (مراكز فكر، مراكز ومجموعات بحثية ونقاشية عملاقة، بل ومجلات علمية دولية محكمة)، وكلها تحمل إسم (الإندو-باسيفيك)، وليس بإسمها السابق (آسيا-الباسيفيك).

– وهذه النقطة السابقة، تعنى تحليلياً بأن تحديدها (بالباسيفيك)، يؤدى لضمان إستبعاد الصين من تفاعلاتها، ولتقييد حرية وحركة إمتدادات وطموحات وتحركات الصين فى منطقتى (بحر الصين الجنوبى والشرقى الممتد بحدوده الإقليمية والبحرية إلى منطقة الباسيفيك والمحيط الهادئ)، وفقاً للتصور الصينى، وهو ما ترفضه واشنطن وحلفائها تماماً.

– وبناءً عليه، فبعد إطلاعى كأكاديمية مصرية خبيرة فى الشأن السياسى الصينى، على كافة تلك التحليلات الأمريكية والغربية التى وصلتنى وقرأتها وفهمت زاويتها التحليلية جيداً، حول “تشكيل نظام عالمى جديد تقوده الولايات المتحدة الأمريكية”، لذا، فبناءً على فهمى الدقيق للغاية لكافة التصورات الأمريكية والغربية المشار إليها، آثرت وضع هذا التحليل الدولى التفصيلى الشامل بكافة جوانبه وأبعاده، والذى يبرهن ويرد علمياً على كافة التحليلات السابقة، بتحليلى الجديد الذى أثبته هنا عملياً، بأننا فعلياً بصدد:

(ملامح إنقسام عالمى جديد بين الديمقراطيات البحرية والتكنولوجية وفقاً للمصطلحات الأيديولوجية الأمريكية، وإنقسام وتضارب أجندات دفاعية أمريكية وأنجلوسكسونية، وخرق لقوانين دول ديمقراطية حليفة لواشنطن مثل نيوزيلندا، والإعداد لتحالف دفاعى أوروبى جديد وإستبعاد واشنطن منه، وتناقض أهداف “تحالف أوكوس الدفاعى الأمريكى مع تحالف “العيون الخمس الإستخباراتى الأنجلوسكسونى”، والإعلان الفرنسى عن التنسيق مع الهند حليفة واشنطن لإنشاء نظام تعددى جديد، ورفض نيوزيلندا حليفة واشنطن وأستراليا لصفقة الغواصات النووية الأسترالية، وبدء بكين بإنشاء تحالفات إقليمية بحرية جديدة، وإعادة تقديم وثيقة “الحوكمة البحرية الصينية” لتقييد وكبح الطموحات والنفوذ البحرى الأمريكى فى المنطقة البحرية القريبة من الصين)

– وهذا التحليل المجمل المختصر السابق آثرت وضعه فى البداية للرد “تحليلياً وأكاديمياً وعسكرياً وأمنياً ودفاعياً”، والأهم عملياً، وذلك من واقع خبرتى العملية لفهم العقلية الأمريكية تجاه الصين، وكيف يمكن أن ترد بكين على أى تحالفات أو تحركات تقودها واشنطن ضدها بالأساس.

ومن هنا نفهم، ونكاد نتفق جميعاً، بأن “إتفاقية أوكوس”، هى بالأساس إتفاقية دفاعية موجهة ضد الصين، وهى نقطة تعززها حقيقة أن قادة (بريطانيا، الولايات المتحدة، أستراليا) قد ظهروا معاً عبر الفيديو الذى إنتشر عالمياً، وذلك للإعلان عن هذه الشراكة الدفاعية الجديدة، وذلك يعود للأهمية المتزايدة لمنطقة المحيطين الهندى والهادئ بالنسبة لكلاً من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة.

وعلى الرغم من أن المسؤولين البريطانيين يصرون على أن إتفاقية الدفاع الجديدة “أوكوس” ليست رداً على أى دولة، إلا أن بريطانيا تعود فتؤكد أنها موجهة للحفاظ على (الأمن والإستقرار فى منطقتى المحيط الهندى والهادئ)، ولدعم “نظام سلمى قائم على القواعد”. ولا يخفى على أحد أن بريطانيا والولايات المتحدة وأستراليا تتشارك المخاوف بشأن (الحشد العسكرى الصينى) فى المنطقة، والخوف من تهديد مصالحهم.

وتمثل صفقة أوكوس نقطة تحول إستراتيجى، خاصةً أنها المرة الأولى التى تعقد فيها الولايات المتحدة الأمريكية صفقة لإتاحة مثل هذه التقنية الحساسة مع دولة أخرى غير بريطانيا، وهنا نجد أن الدولة الوحيدة التى شاركت الولايات المتحدة معها هذا النوع من (تكنولوجيا الدفع النووى الخاصة بصفقة غواصات أوكوس النووية) إلى أستراليا هى بريطانيا فقط، وذلك منذ عام ١٩٥٨، مما يعد تحولاً إستراتيجياً خطيراً فى الفكر العسكرى والدفاعى الأمريكى ضد الصين، بالسعى لتعزيز تحالفات واشنطن وحلفائها فى كل الإتجاهات للتصدى لبكين، عبر (تشكيل تحالف أمنى إستراتيجى فى منطقة المحيطين الهندى والهادئ).

– وتحليلياً، وجدت الباحثة المصرية أن أبرز نتائج هذا (الإنقسام البحرى) الذى بدأته واشنطن فى مواجهة الصين وفرنسا نفسها كدولة ديمقراطية بحرية، هى الآتى:

١) إعلان (التحالف الفرنسى- الهندى) فى مواجهة (التحالف الأسترالى- الأمريكى) لإنشاء (نظام تعددى جديد)، وتعارض تحالف أوكوس مع تحالف “العيون الخمس الإستخباراتى الأنجلوسكسونى”، ورفض “نيوزيلندا” للصفقة الأسترالية مع بريطانيا

وربما كانت أكثر نقطة لفتت إنتباهى تحليلياً، هو ذلك الإنقسام الذى أحدثته واشنطن فى منطقتى المحيطين الهندى والهادئ، بالتسبب فى الغضب الفرنسى وأيضاً النيوزيلندى لتناقض تحالف أوكوس مع مصالحه، وربما غضب أطراف دولية وغربية أخرى من واشنطن لنقض عهودها ضد فرنسا، وهو ما يمكن أن يطلق عليه الصينييون، بأن:

(الديمقراطيات تناقض جوهر قيمها الليبرالية والإنسانية)

– وكانت أخطر النتائج التى تسببت فيها الولايات المتحدة الأمريكية بنقضها العهود مع الفرنسيين، هى:

١) جاء التأكيد الفرنسى – رداً على التحالف الدفاعى الأمريكى – الأسترالى ضد المصالح الفرنسية – بإعلان فرنسا علنياً بتنسيقها العمل سوياً مع الجانب الهندى لترسيخ (نظام دولى تعددى جديد)، كدولتين كبيرتين تتمتعان بالسيادة فى منطقة المحيطين الهندى والهادئ.

٢) إعتبرت فرنسا بأن التخلى الأمريكى عن مشروع الغواصات الفرنسية والإعلان عن (شراكة جديدة بين واشنطن وأستراليا) يشكلان سلوكاً غير مقبول بين (الحلفاء والشركاء الديمقراطيين) ويؤدى حتماً للإنقسام بين الدول الديمقراطية فى العالم، وتؤثر عواقبه على مفهوم (شبكة التحالفات والشراكات للديمقراطيات البحرية)، لأهمية منطقة المحيطين الهندى والهادئ لأوروبا.

٣) وبناءً عليه، جاءت تصريحات الساسة الفرنسيين، وأكدته القيادة الفرنسية ذاتها، بالتصريح، بأن:

“فرنسا غير قادرة على الوثوق بأستراليا فى المحادثات الجارية بشأن إبرام إتفاق تجارى مع الإتحاد الأوروبى بعدما تخلت العاصمة “كانبيرا” عن صفقة لشراء غواصات فرنسية لصالح غواصات أمريكية”.

٤) مع تأكيد وزير الدولة للشؤون الأوروبية “كليمان بون” عبر وسائل الإعلام المختلفة، بقوله حرفياً:

“نجرى مفاوضات تجارية فرنسية مع أستراليا، ولكن لا نعلم كيف سيكون بإمكاننا الوثوق بشركائنا الأستراليين”

٥) والأخطر بالنسبة لى تحليلياً، هو ما صرح به الوزير الفرنسى “كليمان بون”، عبر التأكيد، بأن:

“ما حدث يعد خرق خطير للثقة من جانب أستراليا، فالعلاقات الدولية ليست سذاجة ومشاعر طيبة، لكنها الكلمة، كما أن توقيع العقود يعنى شيئاً، ولكن إذا فقدنا الثقة، فلن نتمكن من المضى قدماً”

٦) فضلاً عن تنامى عدم ثقة (المفوضية الأوروبية) وتوحيد جبهة دول الإتحاد الأوروبى ذاتها فى مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية وضد أستراليا، والتى تعد فرنسا جزءً فاعلاً فى منظومة دولها الأوروبية، حيث تتفاوض أستراليا مع فرنسا بشأن عدد كبير لإبرام الإتفاقيات التجارية، علماً بأن (فرنسا تتفاوض هنا نيابةً عن الحكومات الأوروبية الأعضاء فى المفوضية الأوروبية)، وأستراليا دخلت (الجولة الحادية عشرة) من المفاوضات التجارية مع شركائها الأوروبييين، والتى بدأت مع المفوضية الأوروبية منذ عام ٢٠١٨.

وكانت قبل عقد والإعلان عن صفقة الغواصات النووية الأسترالية الأمريكية، فقد كان مقرراً عقد جولة تالية من المحادثات بين أستراليا وأوروبا، والتى تغطى مجالات، تشمل:

(التجارة، الخدمات، الإستثمار، حقوق الملكية الفكرية)

٧) وفى تعقيب فرنسى عن (عواقب وتداعيات الغضب الفرنسى) بشأن المفاوضات التجارية الجارية بين الإتحاد الأوروبى وأستراليا لإبرام (إتفاقية التجارة الحرة)، أكدت “دانا سبينانت” نائبة المتحدث بإسم المفوضية الأوروبية، بأنه:

“لن يكون هناك تأثير فورى على المناقشات والعلاقات مع أستراليا، مع التأكيد التام بوجود غضب كبير فى أوساط الساسة والشارع الفرنسى وكافة أطياف الرأى العام به”

٨) إعتبر الفرنسيون بأن (التحالف الدفاعى الأمريكى الأسترالى البريطانى موجه ضد فرنسا بالأساس لإستبعادها من منطقتى المحيط الهندى والهادئ)، منعاً لأى دور قيادى فرنسى هناك. وهو مشروع يهدد بتقويض الطموحات الفرنسية فى المنطقة، بل ويبعدها عنها.

٩) ويعد (تحالف أوكوس) لضمان حصول أستراليا على أسطول من الغواصات التى تعمل بالدفع النووى، وهو أمر أدى لإلغاء الجانب الأسترالى لصفقة أخرى ضخمة أبرمتها مع الجانب الفرنسى لشراء غواصات فرنسية الصنع، وهو الأمر الذى سيؤدى بدوره لحساسية العلاقات بين تلك الدول المعنية مع فرنسا، بمعنى أن (الولايات المتحدة الأمريكية قد تسببت فى إنقسام الدول الديمقراطية فى مواجهة بعضها البعض وليس كما تروج واشنطن بأن صفقة أوكوس هى تدشين لنظام عالمى جديد متعدد الأطراف فى مواجهة الصين، لأن إتفاقية أوكوس قد أدت إلى إنقسام وتضارب مصالح الديمقراطيات البحرية والغربية فى مواجهة واشنطن بالأساس).

١٠) وربما تحليلى للوضع بوجود تخوفات فرنسية من تعمد واشنطن إبعاد فرنسا عن (منطقة الأطلسى-الهندى) كشريك وحليف أساسى بها، وهو ما سيزيد من حالة التخوف وعدم الثقة الأوروبية عموماً فى مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية والشراكة معها.

١١) وعلى جانب آخر، فيمكن إعتبار أن (تحالف أوكوس يعد ضد فكرة نظام عمل الإتحاد الأوروبى ويعمل ضد مصالحه، بضمه لبريطانيا التى خرجت من جبهة الإتحاد الأوروبى)، وهذا يعد نصراً دبلوماسياً كبيراً للإستراتيجية البريطانية الرامية لتجنيب البلاد العزلة الدولية بعدما خرجت بريطانيا من الإتحاد الأوروبى، خاصةً وأن معاهدة أو تحالف أوكوس سيربط بين بريطانيا وأستراليا والولايات المتحدة بشكل أكثر عمقاً، مما سينعكس على مستوى الثقة بينهم ويؤكد عمق هدفهم الخاص بتشكيل تحالف قوى ضد الصين.

١٢) إن تحالف أوكوس يؤدى (لإستقلال توجهات الإتحاد الأوروبى كدول ديمقراطية إستراتيجياً عن واشنطن وإفشال أى تحالف أمريكى- أوروبى فى المستقبل)، خاصةً لو كان موجهاً ضد الصين.

١٣) من المتوقع الفترة المقبلة (زيادة حالة عدم الثقة الأوروبية تجاه واشنطن)، خاصةً مع الفشل الأمريكى الذريع فى عدة ملفات عالمية، مثل: الإنسحاب من أفغانستان، وغيرها، مما يؤدى لعدم التعاون الفعال بين دول الإتحاد الأوروبى كدول ديمقراطية مع الجانب الأمريكى الذى لا يمكن الوثوق به.

١٤) من المتوقع بعد إتفاقية أوكوس وخيانة الثقة الأمريكية الأسترالية تجاه شركائهم الديمقراطيين فى أوروبا، أن يتجه الإتحاد الأوروبى لبحث سبل تعزيز (قضية الإستقلال الإستراتيجى والنظام الدفاعى للإتحاد الأوروبى) وربما كان ذلك فى مواجهة واشنطن ذاتها.

١٥) ومن الجدير بالذكر، أن إنزعاج الإتحاد الأوروبى وفرنسا بشأن الصفقة ليس لعدم تضمينهم فيها، بل لأنه لم تتم مشاورتهم من الأساس. وهو ما أكده منسق السياسة الخارجية بالإتحاد الأوروبى “جوزيب بوريل”، بتأكيده:

“أن إتفاقية أوكوس أبرمت بدون مشاورة الإتحاد الأوروبى تتطلب الحاجة إلى وضع الحكم الذاتى الإستراتيجى الأوروبى على رأس جدول الأعمال”

١٦) وربما كان الأخطر لدى الباحثة المصرية تحليلياً، هو ما أكده الجانب الفرنسى بإعتبار دفاع الأوروبيين وإستقلالهم عن واشنطن، هو الوسيلة الوحيدة الفعالة للدفاع عن المصالح الأوروبية فى المجتمع الدولى بما فيها منطقة المحيط الهندى والهادئ.

١٧) وبناءً على ما سبق، أعلن الإتحاد الأوروبى عن (إستراتيجية جديدة لمنطقة المحيط الهندى والهادئ عقب ساعات قليلة من الكشف عن “تحالف أوكوس”، والذى أعتبره الأوروبيين موجه ضدهم جميعاً، وليس فقط ضد فرنسا.

١٨) ومما عمق من أزمات الدول الديمقراطية الحليفة مع واشنطن وإنقسامهم فى مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية، رغم كونهم دول ديمقراطية بحرية وتكنولوجية أيضاً بنفس النهج الأمريكى، هى (رفض دولة نيوزيلندا كنظام ديمقراطى أيضاً قريب الصلة من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وأستراليا)، بالسماح بدخول غواصات نووية أسترالية إلى عمق أو حدود المياه الإقليمية النيوزيلندية، والغضب النيوزيلندى من (إقصاء واشنطن لها من إتفاقية الشراكة الجديدة بين العاصمة كانبيرا وواشنطن)، ويأتى الرفض النيوزيلندى لصفقة الغواصات النووية الأسترالية، إستناداً إلى السياسات القائمة رسمياً فى نيوزيلندا، وذلك منذ عام ١٩٨٥، والتى تنص صراحةً على:

“تحظر دولة نيوزيلندا دخول أى قطعة بحرية تعمل بالوقود النووى إلى المياه الإقليمية”

١٩) وربما نجد أنه مع إستمرار الرفض النيوزيلندى لدخول الغواصات النووية الأسترالية لمياهها الإقليمية القريبة من كانبيرا، فذلك قد ينذر مستقبلاً بتوتر شديد فى العلاقات بين (أستراليا وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية فى مواجهة دولة نيوزيلندا وسياساتها)، وذلك بالرغم من حالة التحالف والشراكة الدائمة بين أستراليا ونيوزيلندا منذ عقود طويلة لقرب المياه الإقليمية والحدود البحرية بين الدولتين.

٢٠) كذلك تزداد التوقعات (بعدم إنضمام المزيد من الدول الديمقراطية المحيطة نفسها لتحالف أوكوس الدفاعى مع واشنطن)، نظراً للمتطلبات المعقدة التى تفرضها واشنطن على حلفائها، بالنظر لطبيعة التحالفات الدفاعية الكبيرة، خاصةً الموجهة ضد الصين، وهو ما يستلزم معه ترتيبات أمنية خاصة لا تتوافر فى العديد من الدول حتى الديمقراطية منها.

٢١) كذلك تعتبر دولة نيوزيلندا أن (تحالف أوكوس الدفاعى هو حلف مضاد لمصالحها الحيوية مع كلاً من أستراليا وبريطانيا)، والتى تشترك مع “نيوزيلندا” فى تحالف دفاعى وأمنى فعلى آخر هو “تحالف العيون الخمس الإستخباراتى”، وهو ما يقلق نيوزيلندا من تضارب مصالحها مع مصالح واشنطن وطموحاتها مع أستراليا حيال الصين.

٢٢) كذلك هناك إنتقادات من داخل (دول تحالف كواد الرباعى بقيادة واشنطن وحلفائها ضد الصين، موجه إلى تحالف أوكوس الدفاعى بقيادة واشنطن أيضاً ضد الصين)، بتركيز “تحالف أوكوس” على (الحوار الأمنى والتنسيق الدفاعى الأمريكى مع الدول الأنجلوسكسونية وليست الإقليمية الآسيوية بالأساس الأكثر قرباً من بكين).

٢٣) وفى نفس السياق، توجه إنتقادات أخرى لواشنطن من دول ديمقراطية صديقة وحليفة لها أيضاً، بأن “تحالف أوكوس الدفاعى” لا يتضمن أية ترتيبات أمنية جديدة، ولم يسع إلى إشراك دول أخرى حليفة لواشنطن، وبالتالى فإن “تحالف أوكوس” وفقاً لعدد من أصدقاء وحلفاء واشنطن، بمثابة دعم إلى:

(الحوار الأمنى الرباعى، إتفاقية الآسيان، الشراكات الثنائية الإقليمية فى المنطقة الآسيوية، والإندو-باسيفيك)

ومن هنا نفهم تحليلياً، تنامى حالة عدم الثقة بين الشركاء الأوروبييين فى مواجهة واشنطن، وهو الأمر الذى قد يؤدى لإفشال الإستراتيجية الأمريكية لتشكيل (نظام عالمى ديمقراطى جديد وفقاً للتصورات الأمريكية)، بعد أن فقدت فيه الولايات المتحدة الأمريكية ثقة حلفائها الديمقراطييين الأوروبييين وحتى دولة نيوزيلندا الأنجلوسكسونية وفرنسا بالطبع، وعمقت من حالة الشك وعدم الثقة فى أى تحالف مستقبلى مع واشنطن.

وتلك الحالة تشبه لدى الباحثة المصرية تحليلياً، وترجع بذهنى لنظرية قديمة، تسمى “نظرية الديمقراطيات تحارب بعضها البعض”، حيث أن التحليل السابق يكشف لنا بالدليل أن تحالف أو إتفاقية أوكوس، هو عودة فعلية بنا لنفس المفهوم السابق المعنى ب “إنقسام البلدان الديمقراطية ضد بعضها البعض ومحاربتها لبعض بالبحث عن مصالحها الذاتية وعدم الثقة أو التنسيق المتبادل بينهم كما فى حالة صفقة الغواصات النووية الأسترالية ضد المصالح الفرنسية”.

وهنا يأتى الأخطر من وجهة نظرى، بأن تنامى شعور عدم الثقة وعدم الشفافية حيال واشنطن من شركائها الأوروبييين والأنظمة الديمقراطية نفسها، قد يعيق واشنطن نفسها عن عمل أى تحالفات أخرى قادمة فى المستقبل، خاصةً مع القادة الأوروبييين والمفوضية الأوروبية ودولة نيوزيلندا الأنجلوسكسونية، نتيجةً لخيانة واشنطن ثقتهم بنقضها العهود والإتفاقيات الفرنسية مع أستراليا وبريطانيا من أجل مصالح أمريكية ضيقة موجهة بالأساس ضد الصين، وتمثل إعتداءً على السيادة البحرية للمياه الإقليمية لدولة نيوزيلندا، وتناقض إتفاقيات وتحالفات دفاعية موجودة بالأساس، كان لابد من دخول واشنطن لها لتقوية حلفائها، بدلاً من زيادة حالة الإنقسام بإنشاء تحالفات أمريكية دفاعية جديدة.

٢) إتفاقية أوكوس والإنقسام بين (دول الديمقراطيات التكنولوجية والدفاعية ضد واشنطن)، لصالح تقوية التحالفات التكنولوجية والدفاعية الصينية مع أنظمة سياسية موالية لبكين

كان من أبرز النتائج السلبية لإتفاقية أوكوس، هى ما أعلنته الولايات المتحدة الأمريكية والرئيس الأمريكى (جو بايدن) ذاته، بإعلانه عن تحالف دفاعى جديد بين أستراليا والولايات المتحدة وبريطانيا، موسعاً نطاق تقنية الغواصات الأمريكية العاملة بالدفع النووى لتشمل أستراليا، بالإضافة إلى تحالف (تقنيات الأمن الإلكترونى والذكاء الإصطناعى والقدرات البحرية تحت الماء)، كتحالف أمريكى معلن بين التكنولوجيات الديمقراطية الليبرالية الأمريكية الأسترالية فى مواجهة التكنولوجيات الرقمية الشيوعية الصينية. وهذا ينقلنا لمستوى تحليلى آخر، من خلال:

١) تأكيد الربط بين مفاهيم (التكنولوجيات الديمقراطية والديمقراطيات البحرية فى مواجهة الصين)، وغيرها. وما يؤكد الطرح السابق هو تداول مصطلح جديد على الأذهان قد أثار مخاوف الصين، بخصوص (الديمقراطيات البحرية)، بمعنى أن التحالف الأمريكى فقط تم بين (دول ديمقراطية بحرية تنتهجة الأيديولوجية الليبرالية)، مثلما قسمت واشنطن التكنولوجيا الرقمية إلى (تكنولوجيا ديمقراطية تنتهج النهج الغربى، وتكنولوجيا إستبدادية شيوعية على النهج الصينى)، وذلك بالنسبة للدول التى إستفادت من شبكات الجيل الخامس الصينية.

٢) تعمد واشنطن إدماج “عنصر التكنولوجيا بالدفاع” فى (صفقة الغواصات الأسترالية)، هى رسالة غير مباشرة لواشنطن فى مواجهة التفوق التكنولوجى الدفاعى لبكين، والتى تدفع فى المنطقة المحيطة بالإندو- باسيفيك، بعدد متزايد من الصواريخ الفائقة بسرعات تفوق سرعة الصوت بعدة مرات، والتى تفتقر القدرات العسكرية الأمريكية الراهنة لدفاعات موثوقة حيالها، فضلاً عن قدرات الحرب الإلكترونية الصينية المتقدمة، والموجهة ضد أنظمة (القيادة، السيطرة، الملاحة الأمريكية)، وضد (نظام التموضع العالمى الأمريكى)، إلى جانب تفوق الصين التقنى والتكنولوجى فى مجال إستخدام الأسلحة المتطورة المضادة للأقمار الصناعية للإقلال من الإستعانة بقدرات الإستخبارات والإنذار المبكر لدى القوات الأمريكية.

٣) جاء الرفض الصينى للشراكة الأمنية الأمريكية الجديدة مع أستراليا فى محيطها الإستراتيجى الحيوى، لأنها “صفقة أمريكية أيديولوجية بالأساس”، وتعكس (نفس عقلية الحرب الباردة والتحيز الأيديولوجى الأمريكى ضد الأنظمة والدول المختلفة عنها أيديولوجياً)، مع الإصرار الأمريكى الدائم على نشر قيمها وأيديولوجياتها الليبرالية حول العالم، والتى ثبتت فشلها فى العراق وأفغانستان وأمريكا اللاتينية وأفريقيا، وكافة دول العالم المختلفة فى أنظمتها عما تروج له واشنطن.

٤) أطلقت الصين على العقلية الأمريكية فى منطقة المحيطين الهندى والهادئ، والإندو- باسيفيك، بأنه يعكس حالة من (التحيز الأيديولوجى الأمريكى لصالح دول حليفة لها على حساب القوى الدولية والإقليمية الأخرى بما فيها حلفاء واشنطن نفسها)، وهو ما أتى فى شكل إحتجاج صينى على المستوى الرسمى، عبر دعوة سفارة الصين فى واشنطن، بضرورة تخلى الولايات المتحدة الأمريكية عن (عقلية الحرب الباردة والتحيز الأيديولوجى والصراع والتنافس).

٥) كذلك التحذير الصينى الرسمى إلى الولايات المتحدة الأمريكية بتأسيسها لأشكال من (التكتلات الإقصائية)، وذلك بهدف إستهداف أو إلحاق الضرر بمصالح دول أخرى كالصين.

٦) وأصدر المتحدث بإسم وزارة الخارجية الصينية السيد “تشاو لى جيان” بيان شديد اللهجة إعتبر فيه:

“أن واشنطن ولندن أقدمتا على تصرف غير مسؤول من شأنه أن يقوض الإستقرار الإقليمى والجهود الرامية للحد من الإنتشار النووى، بما يعنيه ذلك من تكثيف سباق التسلح النووى عبر إمداد أستراليا بالتكنولوجيا النووية الضارة بدول الجوار الأخرى كالصين”

٧) وعلى الجانب الآخر، دافعت بريطانيا عبر رئيس وزرائها “بوريس جونسون” عن تحالف أوكوس الدفاعى مع واشنطن فى منطقتى المحيطين الهندى والهادئ والإندو-باسيفيك، وإمداد الولايات المتحدة الأمريكية للجانب الأسترالى بالتكنولوجيا المتقدمة نووياً، وصرح “بوريس جونسون”، مؤكداً:

“أن إقتناء أستراليا للغواصات التى تعمل بالتكنولوجيا النووية المتقدمة يحافظ على الإستقرار الإقليمى فى المنطقة، وأن هذه الخطوة لم تهدف إلى معاداة أى دولة”

٨) تزايدت حالة “الإنقسام الأيديولوجى التكنولوجى الدفاعى والبحرى بين الولايات المتحدة والصين” فى منطقة الإندو-باسيفيك، مع إعتقاد على كافة المستويات فى الصين، بأن “إتفاقية أوكوس الدفاعية”، تعد (تهديداً للوجود الصينى فى مناطق نفوذها)، ومحاولة أمريكية تهدف إلى (تقييد الأيديولوجية الشيوعية الصينية لصالح تعزيز الأفكار والقيم الأمريكية)، والمتمركزة حول الديمقراطية والليبرالية الإقتصادية والسياسية)، والتى لا تناسب الظروف الخاصة بكل دولة على حدة كالصين.

٩) ومن الواضح هنا هذا الإصرار الأمريكى على غلبة (نمط الطابع الأيديولوجى على المنافسة الإستراتيجية بين واشنطن والصين)، بل والصراع الأمريكى ذاته الذى سيمتد إلى كافة الدول المختلفة أيديولوجياً مع القيم الليبرالية الأمريكية خلال الفترة المقبلة فى شكل (صراع أو تنافس أيديولوجى لتقسيم العالم لأنظمة ديمقراطية وأخرى إستبدادية)، وذلك وفقاً للتقسيم الأمريكى ذاته.

١١) ومن المتوقع- كرد فعل على الصفقة الدفاعية الأمريكية الجديدة مع أستراليا- أن تلجأ الصين إلى (توظيف الأداة الإقتصادية فى مواجهة المبادرات الدفاعية الأمريكية)، وذلك بتبنى الصين لأسلوب الصفقات والشراكات والإستثمارات الإقتصادية، وذلك للحيلولة دون إنحياز الدول للجانب الأمريكى فى صراعه مع الجانب الصينى.

١٢) كذلك فإن تعمد واشنطن (إدماج الديمقراطيات البحرية والغربية بنمط التكنولوجيا الرقمية الديمقراطية وفقاً لتوصيف الإدارة الأمريكية الحالية)، عبر تبادل التقنيات الأمريكية المتقدمة مع شبكة حلفائها الديمقراطييين لمواجهة التحديات الأمنية الديمقراطية المشتركة، بحيث تشمل مجالات تعاون أخرى متعددة لمواجهة التحديات الأمنية الناشئة أمام الدول الديمقراطية فى مواجهة الأنظمة الأخرى الإستبدادية وغير الديمقراطية، وفقاً لما تروج له الولايات المتحدة الأمريكية.

١٣) ومن هنا تعمدت واشنطن عقد (صفقات دفاعية وتكنولوجية ديمقراطية أى مع الدول الحليفة لها أيديولوجياً كدول ليبرالية ديمقراطية)، كما حدث مع أستراليا وبريطانيا، عبر التعاون فى عدد المجالات المرتبطة بالدفاع والأمن والتكنولوجيا الديمقراطية، مثل:

(الفضاء الإلكترونى، الذكاء الصناعى، الدفاع السيبرانى، تكنولوجيا القدرات الإضافية تحت سطح البحر)

١٤) وهنا نجد تأكيد كافة الأطراف الحليفة لواشنطن ضد الصين، بأن ما يحدث هو (تحالف بين أنظمة ديمقراطية تكنولوجية وعسكرياً ودفاعياً وسياسياً ضد دول غير ديمقراطية)، وهو تقريباً نفس المنحى الذى ذهب إليه قادة الدول الثلاث (الولايات المتحدة الأمريكية، أستراليا، بريطانيا)، عبر التأكيد التام، والتصريح بعد إتمام صفقة أوكوس الدفاعية سوياً:

“بأنه كان من الطبيعى أن تتوج العلاقات التعاونية الدفاعية الممتدة بين دول الديمقراطيات البحرية الثلاث بخطوة تعزز من علاقات الصداقة والثقة التى تجمع بينهم”
١٥) ومن هنا، فالأمر شبيه بلعبة (تنافس أيديولوجى لتقسيم العالم إلى جزأين أو قسمين أو تحالفين ليبرالى ديمقراطى أمريكى، وشيوعى إستبدادى صينى)، وهو أمر تعمد الرئيس “بايدن” بإعلانه ضمنياً بأن الشراكة مع أستراليا ستأخذ نمطين أو شكلين (بحرياً، دفاعياً، تكنولوجياً). وتعمد ربطهم معاً بإسم (الديمقراطية).

١٦) ونفس الأمر السابق ينطبق على إشكالية طرح مفهوم “الديمقراطيات البحرية”، بالإستناد إلى تاريخ دول الأوكوس المشترك كديموقراطيات بحرية، أى كدول تطل على البحار وتنتهج النهج الديمقراطى.

١٧) ونجد أن تخوفات الصين بالأساس تتمحور حول الخوف من (إمتلاك أستراليا على حدودها لغواصات تعمل بالدفع النووى)، ورغبة الصين فى التفرقة ما بين (غواصات تعمل بالدفع النووى، أم صفقة غواصات أمريكية لأستراليا مزودة بالسلاح النووى، والذى حتماً سيكون موجهاً ضد الصين)، وهو ما نفته أستراليا، مؤكدة أنها (تعمل فقط بالدفع النووى وليست مزودة بأى سلاح نووى، وفق التخوفات الصينية).

١٨) وكما نعلم فإن “بايدن” أعلن عدة مرات بأن الإستثمار الأمريكى فى تشكيل تحالفات ضد الصين سواء كانت دفاعية، إقتصادية، أو تكنولوجية بالشراكة والتحالف الأمريكى مع ديمقراطيات متشابهة وفقاً للتعبير الأمريكى فى مواجهة الشيوعية الصينية، وهذا الأمر، يعد هو أكبر مصدر للقوة بالنسبة لواشنطن.

١٩) ومن هنا يمكننا فهم محاولة الولايات المتحدة الأمريكية خنق وإحتواء المحيط الإستراتيجى والحيوى للصين عبر تشكيل تحالفات أمريكية مع دول الجوار الصينى الديمقراطية وفقاً للدعاية الأمريكية، خاصةً وأن هناك تحالف آخر موجه ضد الصين أيضاً من قبل واشنطن هو تحالف “كواد الرباعى”، ومع نية الرئيس الأمريكى “جو بايدن” يوم ٢٤ سبتمبر من عقد إجتماع فى واشنطن، يهدف لتأسيس تأكيد تحالف يضم كل من (أستراليا، الهند، واليابان)، وذلك بهدف أساسى هو (إعادة إطلاق التحالف الرباعى المعروف بإسم “كواد” أو “الحوار الأمنى الرباعى”)، والذى يضم تلك الدول الأربعة.

٢٠) ومن هنا نجد أن تحالف أوكوس، فضلاً عن تحالف كواد الرباعى بقيادة واشنطن وحلفائها فى المنطقة المحيطة بالصين، يهدف بالأساس لممارسة ضغوط على أنشطة بكين فى تلك المنطقة، تحت شعار مطاط غير مفهوم تروج له واشنطن وحلفائها يسمى (تحالف دول ديمقراطية)، وهو أمر غير مفهوم من دولة عظمى مثل واشنطن، والتى تهمل إختلاف توجهات وسياسات وأيديولوجيات الدول ولا تتفهم الظروف الخاصة بكل دولة على حدة.

٢١) ومما زاد من مخاوف الصين هو إعلان دول التحالف مع واشنطن بأن (الشركاء الأربعة فى تحالف كواد الرباعى)، عليهم التحالف لتعميق الإلتزام بجعل “منطقة الهند – المحيط الهادئ مفتوحة وحرة”.

٢٢) ومن هنا نفهم أن تلك العبارات مجرد عبارات أو أساليب مطاطة تعتمدها واشنطن، كأدوات دبلوماسية تعتمدها واشنطن للتنديد بالتطلعات الإقليمية الصينية فى (منطقتى المحيط الهندى والهادئ وبحر الصين الجنوبى)، ثم ربطها بتطوير منظومة التكنولوجيات الديمقراطية للحلفاء مثل أستراليا.

ومن هنا يتضح لنا بالتحليل، هذا الإتجاه الأساسى لسياسة تحالفات الولايات المتحدة الأمريكية وإعتمادها صيغة أو لفظة “تكنولوجيا ديمقراطية وبحرية ديمقراطية”، وهكذا، لتقسيم العالم إلى جزأين أو جبهتين بالأساس (حلفاء ديمقراطييين مع واشنطن فى مواجهة دول غير ديمقراطية تقودها الصين)، سواء سياسياً، دفاعياً، تكنولوجياً، علمياً…. إلخ.

٣) إنقسام (تحالف الكواد الرباعى الإقليمى) ضد الصين بقيادة واشنطن، (بتحالف الهند مع فرنسا دفاعياً، وتحالف الهند مع إيران إقتصادياً وإستراتيجياً لصالح الصين) يفشل ويقيد (تحالف الأوكوس) ضد الصين

يعد التنسيق الهندى مع الجانب الفرنسى بعد توقيع إتفاقية أوكوس بين الولايات المتحدة الأمريكية وأستراليا، رداً مهماً فى مواجهة واشنطن، فضلاً عن عدد من التحركات الهندية الأخرى، والتى تسعى من خلالها إلى ضمان مصالحها، والتى قد تتعارض مع حليفتها واشنطن، كالآتى:

١) الإتفاقيات الهندية – الإيرانية، وزيادة الإستثمارات الهندية فى (ميناء تشابهار)، رغم العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران.

٢) كذلك إعلان الهند عدة مرات عبر سياسييها عن رغبة الهند فى تسوية الأزمة النووية الإيرانية مع واشنطن، يعد أيضاً مثالاً مهماً فى هذا السياق.

٣) كذلك، يمكن القول أنه فى حالة تسوية الأزمة الإيرانية-الأمريكية، فإن ذلك سينعكس بلا شك بالإيجاب على فرص تنفيذ المحور الهندى- الإيرانى فى مواجهة النفوذ الأمريكى بالأساس.

٤) تحاول الهند إحياء فكرة (إنشاء ممر تجارى يربط بين أقاليم جنوب وغرب ووسط آسيا وغرب أوروبا، وكلها أنظمة ودول حليفة بالأساس للصين)، وبدأت الهند فعلياً البدء فى تنفيذ هذا المشروع فى سبتمبر ٢٠٠٠، بتوقيع إتفاق فعلى بين (الهند، روسيا، إيران) لإنشاء هذا الممر، وكلها دول غير حليفة تماماً لواشنطن فى نفس المنطقة المحيطة بمنطقتى المحيطين الهندى والهادئ.

٥) عملت الهند إتخاذ إجراءات فعلية لإنشاء هذا التحالف السابق بل وتقويته، وذلك لعمل ممر تجارى كبير، للربط بين عدة أقاليم تحيط بمنطقة (الإندو-باسيفيك)، عبر التفاوض مع عدة دول محيطة للإنضمام إليه وتقويته، وكلها دول غير حليفة بالمرة لواشنطن، مثل:

(دول آسيا الوسطى، منطقة القوقاز، أرمينيا، أوكرانيا، تركيا، بالإضافة إلى بلغاريا كعضو مراقب)

٦) ورغم الأهمية الكبيرة لهذا المشروع لكلاً من (الهند وإيران)، لكن فرص تنفيذه تأثرت بشدة بفعل أزمة البرنامج النووى الإيرانى، وما إرتبط به من موجات العقوبات الإقتصادية الدولية على إيران، مما أدى لتوقفه مؤقتاً، مع توقع إكتماله بمجرد عودة التفاوض الأمريكى مع إيران، وهو الأمر الذى باتت تشجعه الهند بشدة.

٧) ويبقى الأخطر، هو سعى الهند إلى إحياء مشروع “ممر الشمال-الجنوب”، والذى يضم دول حليفة للصين بالأساس

International North-South Transport Corridor (INSTC)

ويهدف الممر السابق إلى (الربط بين الهند عبر ميناء مومباى الذى يقع على بحر العرب، ومنطقة غرب أوروبا عبر عدد من المسارات البحرية والبرية المختلفة).

٨) ورغم تعدد المسارات المقترحة للممر الهندى مع تلك الدول القريبة من غرب أوروبا وبحر العرب، لكن (المسار البحرى من ميناء مومباى بالهند إلى ميناء بندر عباس الإيرانى على مضيق هرمز، ثم المسار البرى داخل إيران عبر شبكة السكك الحديدية)، يمثل مكوناً رئيساً فى هذا المشروع المقترح من قبل الهند بمساراته المختلفة.

٩) كما أن أكثر م قد يثير حفيظة واشنطن أكثر تجاه حليفتها الهند فى “تحالف كواد الرباعى”، هو هذا الإتجاه الهندى الصارم نحو تعزيز ودعم نفوذها فى (ميناء تشابهار الإيرانى)، وذلك لموازنة (النفوذ الصينى فى ميناء جوادر الباكستانى).

١٠) ومن هنا، نجد أن تنامى العلاقات الهندية-الإيرانية يأخذ بالأساس أبعاداً أوسع وأخطر من التواجد الهندى فى ميناء تشابهار الإيرانى، خاصةً مع كثافة التحليلات حول تطور “المحور الهندى-الإيرانى” لموازنة “المحور الصينى-الباكستانى”. ومن هنا، فإن الإصرار الهندى على التحالف الإقتصادى والسياسى والجيو إستراتيجى مع الجانب الإيرانى، يهدد بفشل “تحالف كواد الرباعى بقيادة واشنطن وحلفائها لمواجهة بكين”، خاصةً مع تلك الشراكة الإستراتيجية العميقة بين الصين وإيران فى مواجهة واشنطن، بينما تقيم الهند التى تشكل واشنطن جبهة معها ضد بكين علاقات فعلية مع الجانب الإيرانى عدو واشنطن اللدود، والنظام الأكثر قرباً من الصين.

١١) وفيما يتعلق بالحشد الأمريكى لنيودلهى ضد البحرية الصينية فى منطقة المحيط الهندى بالأساس، فقد إتضح عدم الإهتمام الهندى بمشاركة طموحات واشنطن حيال ذلك، مع إهتمام الحشد البحرى الهندى فقط، بأن يتجه بشكل أساسى نحو (مناطق نفوذ نيودلهى المباشرة)، والتى تمتد من (الساحل الشرقى لأفريقيا، وصولاً إلى مناطق التوقف الإستراتيجية المؤدية من وإلى المحيط الهندى، ولا سيما مضيقى ملقا وسنغافورة) وغيرهما. وبالنظر إلى تلك المناطق، فإن الحشد الهندى موجه أكثر نحو (تأمين المصالح داخل منطقة المحيط الهندى المباشرة وليس لتأمين مصالح واشنطن)، فى حين أن إبراز القوة البحرية الهندية فى مناطق أبعد يشكل مهمة ثانوية بالنسبة للهند عكس الإستراتيجية الأمريكية فى تلك المنطقة.

ومن خلال التحليل التفصيلى السابق للباحثة المصرية، فقد إستطاعت البرهنة بشكل عملى بأن حلفاء واشنطن الديمقراطييين فى (منطقتى المحيطين الهندى والهادئ والإندو- باسيفيك)، وعلى رأسهم الهند بالأساس حليفة واشنطن فى (تحالف كواد الرباعى فى مواجهة الصين)، تتحالف بالأساس مع أنظمة ودول تشكل مساساً بالأمن القومى الأمريكى مثل (إيران) ودول آسيا الوسطى والقوقاز الأكثر قرباً من روسيا والصين فى مواجهة واشنطن. ومن هنا، فذلك يصدق عليه نفس المقولة بأن (الديمقراطيات تحارب بعضها وتتصارع بحثاً عن مصالحها حتى فى مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية).

٤) توحيد جبهة التحالفات الشيوعية البحرية الصينية فى مواجهة الديمقراطيات الإستبدادية البحرية

تأتى أهمية تحالفات الولايات المتحدة الأمريكية مع كلاً من (أستراليا وبريطانيا) تحديداً فى منطقتى “الإندو-باسيفيك” المحيطة بالصين، نتيجة لمجموعة من العوامل المهمة، أبرزها:

أ) تنامى النفوذ الصينى وتجاوزه منطقة المحيط الهادئ وبحر الصين الجنوبى، وإمتداده إلى منطقة المحيط الهندى ومجموعة الأقاليم الفرعية المرتبطة به.

ب) أخذ التخوف الأمريكى من الصين أكثر من مستوى، بسبب: كبر المساحة الجغرافية لمبادرة الحزام والطريق، وإمتداد المبادرة الصينية إلى عدد من الأقاليم الرئيسية بمنطقتى المحيطين الهندى والهادئ، فضلاً عن الأقاليم الأخرى الفرعية المرتبطة به.

ج) بالإضافة إلى الإمتيازات الصينية الكبيرة داخل الموانئ البحرية على سواحل المحيطين الهادئ والهندى، وإتجاه الصين، وهو الأهم إلى بناء (حوكمة بحرية جديدة).

– ومن هنا تسعى الصين إلى تنشيط عدد من تحالفاتها الإقليمية فى مواجهة تحالفات واشنطن فى منطقتى المحيطين الهندى والهادئ، وذلك من خلال:

١) دعم (طريق الحرير البحرى الصينى) كخطة إستراتيجية صينية لتطويق منطقتى المحيطين الهندى والهادئ ومنطقة الإندو-باسيفيك فى مواجهة إتفاقية أوكوس الدفاعية بين واشنطن وأستراليا بالأساس.

٢) ستضيف الصين إلى شبكتها البحرية العديد مما يعرف بشبكة “المغذيات أو الممرات الإستراتيجية”، مثل (تأمين وتقوية الممر الإقتصادى الصينى الباكستانى)، وتطلق على هذه الممرات إسم “الممرات الإقتصادية”، والتى تعمل فى الواقع كطرق إستراتيجية سريعة، تتيح للصين الوصول إلى (المحيط الهندى عبر بحر العرب الشمالى وخليج البنغال).

٣) ستقوض الصين تحركات البحرية الأمريكية والأسترالية، عبر تقوية شبكة تحالفاتها مع الدول الآسيوية التى إنضمت إلى (مشاريع الحزام والطريق الصينية)، مثل: (باكستان، ميانمار، مالديف، سريلانكا) من خلال تقديم إستثمارات ضخمة للبنية التحتية لهذه الدول الصديقة لبكين، وهو الأمر الذى يخولها فى النهاية إستخدام موانئ تلك الدول القريبة من مناطق النفوذ الأمريكى فى منطقتى المحيطين الهندى والهادئ والباسيفيك لتطويق والسيطرة على الطموحات الأمريكية فى المنطقة المحيطة بالصين.

٤) كذلك ستتوسع الصين فى إنشاء “قواعد بحرية وعسكرية” حمايةً لمصالحها فى مواجهة واشنطن، ونجد أن (القاعدة البحرية للصين فى جيبوتى) هو مثال على التطور المتزايد فى إستراتيجية الصين البحرية.

٥) كما أن وصول الصين وإستثماراتها فى عدة موانئ قريبة، مثل: (ميناء جوادر فى باكستان، ميناء هامبانتوتا فى سريلانكا، موانئ جزر المالديف)، من شأنه أن يسهل إستخدام الصين لمثل هذه الموانئ (كمراكز دعم لوجستى للسفن الصينية لتوسيع نفوذها البحرى على هذه المساحات البحرية المواجهة للتحركات الأمريكية).

٦) ستدعم الصين الثقل الإقتصادى لها داخل الدول الإقليمية المحيطة بمنطقتى “إندو-باسيفيك”، عبر إنشاء:

(سوق صينية ضخمة، مركز صينى مستقر يضمن لها صناعة قرارات تدفقات التجارة والإستثمار فى المنطقة، نفوذ الصين كمركز ثقل للفاعلين الرئيسيين داخل المجموعات الدولية البازغة، مثل: مجموعة العشرين، البريكس، البنك الآسيوى للإستثمار فى البنية التحتية، بنك التنمية الآسيوى، وعشرات الإتفاقيات التجارية الحرة والإقليمية)، والتى تمخض عنها تعظيم مكاسب إقتصاديات تلك الدول فى علاقاتها بالصين.

٧) سعى الصين لعمل مجموعة من (التحالفات الإستقطابية)، أى لإستقطاب الشركاء فى مواجهة واشنطن. والواقع أن معضلة الصين فى إنتهاج (سياسات متوازنة فى الإندو-باسيفيك) لن تقتصر على حدود هذا الإقليم فقط، ولكنها تنسحب أيضاً إلى معظم الأقاليم الفرعية الأخرى، بما فى ذلك إقليم جنوب شرقى آسيا. ويمكن التأكيد على ذلك، بحديث وزير خارجية أندونيسيا، والذى أقترح فيه (توقيع معاهدة للصداقة والسلام فى منطقة المحيطين الهندى والهادئ)، وذلك فى دلالة واضحة على إنشغال دول الإقليم بمخاطر الصراع والإستقطاب بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية وأستراليا وحلفائهم فى تلك المنطقة، مما سينعكس على مستوى الثقة بينهم وفى مواجهة بعضهم البعض.

٨) تسعى الصين لتقوية مسار المشروع الصينى “الحزام والطريق” لتطويق والسيطرة على الولايات المتحدة الأمريكية، من خلال (الممر الإقتصادى) الذى يربط الصين مع كل من (آسيا الوسطى-غرب آسيا)، ويهدف بالأخص لربط الصين بمنطقة آسيا والمحيط الهندى والهادئ عبر المنطقة الإستراتيجية المحيطة به، مما يمكن بكين بشكل دقيق من مراقبة تحركات واشنطن فى منطقتى المحيطين الهندى والهادئ، مما يعزز من فشل التحالفات الأمريكية فى تلك المنطقة المواجهة للصين وشركائها الإقليميين.

٩) كما أن الصين ستحاول إفشال التحركات الأمريكية فى منطقة آسيا والباسيفيك، مع خلال تكثيف إعتماد الإقتصادات الرئيسة بمنطقتى “الإندو-باسيفيك” (خاصةً فى شرق وجنوب شرق آسيا) على الصين لتوفير النسبة الأكبر من وارداتها المختلفة، الأمر الذى يعطى للصين أهمية خاصة داخل منطقة “الإندو-باسيفيك”، حتى وإن كانت دول منها كأستراليا حليفة بالأساس للولايات المتحدة الأمريكية.

١٠) كذلك ستعيد الصين التأكيد على (إستراتيجية الإنتشار البحرى فى مواجهة التمدد الأمريكى)، وذلك يذكرنا بما حدث عام ٢٠١٤، والذى شهد إمتداداً ملحوظاً للإنتشار الصينى فى المجال البحرى للمحيطين الهندى والهادئ، وذلك عندما أبحرت (ثلاث سفن من البحرية الصينية عبر مضيق لومبوك)، وذلك للمرة الأولى التى يتم فيها التحرك من (بحر الصين الجنوبى إلى جزر المحيط الهادئ)، وأعقبها دخول عدة سفن حربية صينية إلى (المياه الهندية) بذريعة البحث عن طائرة ماليزية مفقودة، وهو ما زاد من المخاوف الهندية والأمريكية وقتها من تحركات بكين فى منطقة المحيطين الهندى والهادئ.

١١) ستسعى بكين لممارسة ضغوط الرقابة على أى تحركات أمريكية فى المنطقة المواجهة لأستراليا والصين بعد “تحالف أوكوس الدفاعى”، فكما أكدت (هيئة الإذاعة الأسترالية) فى منتصف شهر يوليو ٢٠٢١، فقد أعلنت أستراليا رصدها لسفينة تجسس صينية ثانية فى طريقها لدخول المياه قبالة الساحل الشمالى الشرقى لأستراليا، وهى خطوة تعزز حضور بكين فى المنطقة القريبة من واشنطن وكانبيرا للمراقبة، خاصةً بعدما بدأت كانبيرا وواشنطن تدريبات عسكرية مشتركة منتصف شهر يوليو ٢٠٢١. لذلك رصدت البحرية الأسترالية إقتراب سفينة تجسس بحرية تابعة للصين تقترب من أستراليا، وذلك عبر (بحر سولومون حول بابوا غينيا الجديدة).

١٢) كذلك إعلان الإعلام الأسترالى عدة مرات سابقة عن وجود تحركات لسفن إستخبارات صينية بحرية خلال إتجاهها إلى المنطقة المحيطة بأستراليا، عبر (مضيق توريس)، مع إعلان القوات الأسترالية مراقبتها لتحركاتها.

١٣) ونجد أن هناك إتهامات أمريكية وأسترالية وجهت لبكين خلال شهر يوليو ٢٠٢١، بإرسال الصين لسفينتان بحريتين لمراقبة (تدريبات سيف التعويذة بين الولايات المتحدة الأمريكية وأستراليا)، وهى تدريبات تطلق عليها واشنطن أنها باتت “روتينية في التعاون العسكرى بين الولايات المتحدة وأستراليا”، وتنفذ كل سنتين، وهو الأمر الذى أثار مخاوف وحفيظة الصين فى مواجهة واشنطن وكانبيرا، مع السعى لتقييد وكبح الطموحات الأسترالية فى المنطقة بمساعدة أمريكية بالأساس.

ومن هنا نكاد نفهم تحليلياً أهمية تلك التحركات الصينية على كافة المستويات، لإضعاف الإستراتيجية العالمية البحرية للولايات المتحدة وأماكن تموضعها وإنتشارها، فبعد أن كانت الولايات المتحدة الأمريكية تعتمد أكثر على نقاط الإرتكاز الإستراتيجية الرئيسية الثلاثة فى (أوروبا، الشرق الأوسط، منطقة آسيا والمحيط الهادئ)، أضحت الولايات المتحدة تركز جهودها الآن بشكل مكثف على منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وهو الأمر الذى حاولت الصين إستغلاله بسد الفراغ الذى تركته واشنطن فى مناطق نفوذ بحرية أخرى.

وهذا يجعلنا نحلل مستوى آخر للإنتشار الأمريكى فى مواجهة الصين، ألا وهو (الخيار الواقعى)، بمعنى:

“أن الولايات المتحدة لا يمكنها إلا تعزيز مكانة الشرطة العالمية من خلال كونها تؤدى دور شرطى جيد فى منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وعلى الساحل الغربى للمحيط الهادئ، بدون إمتلاك أماكن قوة حقيقية به سوى حراسته والتأمين عليه كشرطى للمنطقة فى مواجهة الصين”

٥) دعم بكين لإستراتيجية “الحوكمة البحرية” فى منطقتى (المحيطين الهندى والهادئ، والإندو-باسيفيك)، فى مواجهة “تحالف أوكوس الدفاعى” بقيادة واشنطن

أصدرت الصين وثيقة جديدة فى عام ٢٠١٧، ضمن إستراتيجيتها فى “طريق الحرير البحرى”، لبناء ما وصفته بكين بـ”حوكمة بحرية جديدة” فى منطقتى المحيطين الهادئ والهندى، وذلك للحد من الإنتشار البحرى الأمريكى فى المنطقة، وتقييد النفوذ الإقليمى البحرى للدول المجاورة والمحيطة بالصين، لتعزيز آلية “التشاور والتشارك والتنافع البحرى المشترك بين الجميع”، وفقاً لما أوردته بكين فى تعريفها لإستراتيجية “الحوكمة البحرية”، كإستراتيجية بحرية جديدة تتمحور حول الصين فى إطار الجزء أو الشق البحرى من مبادرة الحزام والطريق.

– ومن هنا، حاولت الباحثة المصرية تحليل إمكانية الإستفادة من هذا الطرح الصينى الجديد لمفهوم “الحوكمة البحرية”، للتصدى لإتفاقية أوكوس الدفاعية والإنقسام البحرى فى منطقة المحيطين الهندى والهادئ، والإندو-باسيفيك، من خلال المعايير والآليات الصينية التالية:

١) إن الطرح الصينى لمفهوم “تعزيز الأمن البحرى المشترك” فى إطار (الحوكمة البحرية الصينية لمنطقتى المحيطين الهندى والهادئ والإندو-باسيفيك)، كطرح تحاول من خلاله بكين التعاون مع الجانب الأسترالى وكافة الدول المحيطة بتلك المنطقة البحرية، للتشارك المشترك سوياً للحفاظ على الأمن والإستقرار البحرى والإقليمى، وذلك كخطوة إستباقية من بكين فى الأساس لسد وتقييد الحجج الأمريكية بالتوسع البحرى للصين فى تلك المنطقة.

٢) إن الصين من خلال طرح “إستراتيجية الحوكمة البحرية”، تعنى “التعاون البحرى الجماعى فى كافة المجالات وأوجه المشروعات المختلفة فى منطقتى المحيطين الهندى والهادئ”، وتعزيز التعاون الصينى المربح للجميع لتعميق الإلتزام الجماعى بالخدمات البحرية على طول طريق الحرير البحرى.

٣) بل وتعدت الصين (المفهوم السلمى للحوكمة البحرية) لنواحى دفاعية أعمق تتعلق ب “تعزيز التعاون الدفاعى والأمنى والإستراتيجى والرقابى فى منطقة الإندو-باسيفيك عبر الحوكمة البحرية التشاورية والتنسيقية والتعاونية”، وتلك هى الخطة الطموحة بالأساس التى تسعى الصين لتحقيقها فى تلك المنطقة المحيطة بها، والتى تعد أستراليا أقرب الحلفاء التقليديين لواشنطن والتى تعمل لتقييد نفوذ الصين فى تلك المنطقة.

٤) ودعت الصين لأخذ موافقة الدول البحرية المحيطة، والتى إهتمت الصين بتوجيه دعوتها لهم فى وثيقتها للحوكمة البحرية، من أجل التعاون البحرى الجماعى الإقليمى مع الصين للحفاظ على الأمن البحرى المشترك ضد أى مخاطر أو تهديدات أو تدخلات خارجية، عبر:

(بناء شبكة لرصد ومراقبة البحار، تعزيز التعاون الدولى بشأن التوسع فى تطبيق النظام الصينى لخدمات “الملاحة عبر الأقمار الإصطناعية”، والتى تعرف فى الصين بإسم “تطبيق بيدو”)

(BeiDou)

٥) دعت الصين كافة الأطراف البحرية المحيطة بمنطقتى المحيطين الهندى والهادئ عبر “وثيقة الحوكمة البحرية الصينية” إلى تطوير عدد من الأنظمة المهمة المعنية بشأن (السلامة البحرية والتعاون فى مجال أمن وسلامة الملاحة البحرية)، وإقترحت بكين الآتى:

– وضع آلية للإدارة والسيطرة الثنائية ومتعددة الأطراف

– وضع خطط وإستراتيجيات جماعية للحفاظ على أمن وسلامة الملاحة البحرية

– المكافحة الإقليمية الجماعية المشتركة للجرائم داخل الخطوط البحرية الفاصلة بين الدول المعنية

– العمل على حماية وأمن وسلامة الملاحة البحرية

٦) وربما الجزء الأخطر من وجهة نظر الباحثة المصرية، هو تأكيد الوثيقة الصينية للحوكمة البحرية عن إستعداد الصين لتحمل كافة الإلتزامات المناسبة للحفاظ على أمن وإستقرار المنطقة البحرية المعنية، وفقاً لرؤيتها لدلالات “الحوكمة البحرية وإمتدادتها”.

٧) دعت الصين عبر “وثيقة الحوكمة البحرية” إلى (توسيع مجالات التعاون البحرى المربح لكافة الأطراف)، وتلك المجالات الموسعة للتعاون البحرى الإقليمى الجماعى فى (منطقتى المحيطين الهندى والهادئ والإندو- باسيفيك) من وجهة نظر صينية لمفهومها وتعريفها للحوكمة البحرية، يمر من خلال:

– دعوة وثيقة الحوكمة البحرية الصينية لإنشاء آلية حوار رفيع المستوى للتعاون البحري بين الدول الواقعة على مسار الطريق البحرى للمحيطين الهندى والهادئ

– دعوة الصين إلى توقيع سلسلة من وثائق التعاون البحرى بين الحكومات المشتركة فى الحدود البحرية للإندو-باسيفيك عبر المحيطين الهندى والهادئ

– دعت وثيقة الحوكمة البحرية الصينية إلى التشارك الجماعى البحرى لوضع خطط للتعاون البحرى وتنفيذ المشروعات ومجالات التعاون المختلفة فى تلك المنطقة البحرية المحيطة

٨) ووفق تصور الباحثة المصرية الدقيق وتحليلها، فربما جاء الشق أو الجزء المتعلق ب “مبادرة طريق الحرير البحرى الصينى”، ونشرها لوثيقة “الحوكمة البحرية الصينية”، وذلك (كمحاولة إستباقية من بكين لمواجهة التمدد والإنتشار البحرى الأمريكى فى الإندو-باسيفيك المحيط بمناطق نفوذ الصين البحرية)، هو السبب الذى عجل بتوقيع الولايات المتحدة الأمريكية لتحالف أوكوس الدفاعى مع أستراليا وبريطانيا لتقييد وثيقة الحوكمة البحرية الصينية.

٩) وتعاظمت المخاوف الأمريكية، وتحذيرات حلفائها المنافسين للصين فى تلك المنطقة كاليابان وأستراليا، من شأن إصدار تلك الوثيقة الصينية الخاصة بالحوكمة البحرية، والتى تقضى فى المقام الأول لتعظيم النفوذ البحرى الصينى.

١٠) ولعل أكثر إشكالية لتوقيع (إتفاقية أوكوس بين أستراليا وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية)، هو ما طرحته واشنطن وحلفائها من تخوفات بشأن “توقيت إصدار وثيقة الحوكمة البحرية الصينية”، وتجاوز الصين منطقتها وحدودها البحرية التى تتمحور حول (منطقة بحر الصين الجنوبى، وأجزاء من المحيط الهادئ)، لتغطى مساحات بحرية جديدة من منطقة المحيط الهندى، والتى لا تدخل بالأساس ضمن منطقة الحدود البحرية للصين.

١١) فضلاً عن إتهامات أمريكية وأسترالية أخرى وجهت للصين بمحاولة فرض وثيقة الحوكمة البحرية، لمد نفوذ الصين حول عدد من (المساحات المائية والموانئ البحرية المحيطة بالمحيطين الهندى والهادئ)، وذلك (كمحاولة صينية لإعادة هيكلة موازين القوى لمصلحتها)، وقلب كافة مناطق نفوذ القوى الأخرى لمصلحتها بل والتحكم فيها.

١٢) وبسبب ذلك، جاء التوافق الأمريكى مع شبكة الحلفاء التقليديين فى منطقة المحيطين الهندى والهادئ، والإندو – باسيفيك، للإتفاق على ضرورة تشكيل تحالفات موجهة أساساً ضد طموحات بكين البحرية، سواء (تحالفات كواد الرباعى بقيادة واشنطن أو تحالف أوكوس الدفاعى بقيادة واشنطن أيضاً).

١٣) وربما جاء هذا التحول الجديد فى إعادة صياغة مصطلح بحرى جديد يوثق تلك “الحدود البحرية التى لا تدخل ولا تتشارك مع الصين للفصل بين حدود بكين البحرية مع غيرها من الدول البحرية الإقليمية المحيطة”.

١٤) لذلك، بدأ الظهور الجديد فى السنوات الأخيرة لمفردات أمنية بحرية جديدة، وبدأ التخلى ضمنياً عن إستخدام مفهوم “آسيا- الباسيفيك”، وتم إصدار “وثيقة الإندو-باسيفيك” فعلياً عام ٢٠١٧، لأن (مفهوم آسيا- الباسيفيك) تتشارك الصين فى أجزاء كبيرة من حدوده، بينما إبعادها بالإشارة لمنطقة “الإندو-باسيفيك”، يدخل بالصين إلى منطقة أخرى محددة لا تدخل فى نطاقها، وهذه المنطقة وفقاً للتصور الأمريكى وحلفائها، تعرف بمنطقة “الإندو-باسيفيك”.

١٥) ومن هنا، فإن مفهوم “الإندو-باسيفيك” الذى أنتهجته واشنطن وحلفائها فى المنطقة المحيطة بالصين يهدف بالأساس لتقييد وكبح الطموحات الصينية، وهو مفهوم مناقض للمجال البحرى الصينى فى منطقة “آسيا- الباسيفيك”، وذلك للتعامل بالأساس مع كافة التحركات الصينية البحرية فى المنطقة، والتى لا تدخل ضمن مناطق نفوذ الصين، وهو ما ترفضه الصين بشدة، مؤكدة دخول جزء من منطقة المحيطين الهندى والهادئ، والتحديد الجديد لإسم المنطقة، بإسم “إندو-باسيفيك” فى نطاق الحدود البحرية المشتركة للصين مع تلك الدول.

١٥) وتوصلت الباحثة المصرية لوجهة النظر الصينية الرافضة لمفهوم “الإندو-باسيفيك”، كمفهوم غامض طرحته الولايات المتحدة الأمريكية مع شبكة حلفائها فى المنطقة البحرية القريبة من الصين، بالإضافة لطرح مفاهيم وحدود عامة لا ترقى للتعامل مع المنطقة.

وبناءً على الطرح السابق، نلاحظ أن الغالب سواء لدى الجانب الأمريكى أو الصينى هو تكثيف الإعتماد على (نمط التحالفات والشراكات) فى مواجهة بعضهم البعض، وهو الأمر الذى سيصعب مهمة الولايات المتحدة الأمريكية لإنشاء نظام عالمى جديد بتحالف الديمقراطيات سوياً كما تروج له الإدارة الأمريكية الحالية بقيادة “جو بايدن”، وهو ما يؤدى لإنتقال هذا الإنقسام Spill-over لأقاليم أخرى فى العالم، وتزايد حدة ودرجة الإستقطابات الأمريكية والصينية فى مواجهة بعضهم البعض، مما سيزيد من حدة وكثافة مستوى التنافس/الصراع فى هذا المسرح المهم للسياسات الإقليمية والعالمية، وإمتداده إلى مناطق أخرى فى العالم كالشرق الأوسط، أمريكا الجنوبية واللاتينية، منطقة الكاريبى، وغيرها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى