الجيل الرقمى والمهاجرون الرقميون .. بقلم دكتور نبيل العشرى
الإنسان الرقمي هو الشخص الذي ولد خلال طفرة التكنولوجيا أو بعدها وتفاعل مع التكنولوجيا الرقمية منذ سن مبكرة، ولديه قدر كبير من الإلمام بهذه المفاهيم ، وهناك من يسميهم الرقميّون الأصليّون “Digital Natives” لأنهم ولدوا في العصر الرقمي ويتحدثون لغته، وبالتالي فإن اللغة الرقمية هي “لغتهم الأم”. أما نحن فإننا لم نولد في هذا العالم وإنما انجرفنا بشكلٍ أو بآخر إليه، فحق علينا أن نسمى بـ الرقميّون المهاجرون”Digital Immigrants” إذ أننا – كما هو الحال لأي مهاجر يضطر لتعلم لغة العالم المهاجر إليه – نجد من الصعوبة بمكان إخفاء “اللكنة” الخاصة بلغتنا الأصلية، والمقصود هنا هو تمسكنا بماضينا قبل العصر الرقمي كالبحث عن المعلومة في الكتب قبل البحث على الانترنت ، وبات جلياً أنه نتيجة لهذه البيئة التي عاش فيها أبناؤنا ومدى تداخلهم وتفاعلهم معها، فقد أصبحت طرق تفكيرهم مختلفة تماما عمّن سبقهم ، إذ يقول د. بروس بيري من كلية بيري الطبية أن “التجارب المختلفة تؤدي إلى تكوينات دماغية مختلفة” ولذا فإن أدمغة أطفالنا تغيرت ليس معنويا فحسب وإنما ماديا أيضا نتيجةً لطريقة نموّهم المختلفة.
هذا الجيل يقدر الخصوصية ويحب الاستقلالية في شؤونه، يرغب في ريادة الأعمال، ويفضل التوجيه الذاتي ولديه روح الإبداع والمنافسة؛ فعلينا أن نتعامل كأب أو أم أو أخ أو أخت أو مدرس أو في العمل أو في التجارة أو في الصداقة، بحسب دورك في حياتهم وفق هذا، مع إيماننا بأن لكل منهم وضعه وتفاعله الخاص ، على المستوى العقلي والإدراكي فإنّ عقول المراهقين تتسم بكونها أكثر مرونة عن دماغ البالغين، وقد أشار عالم الأعصاب مايكل ميزرينك، الى أنّه: يوجد فارق هائل وغير مسبوق في الكيفية التي تشارك بها أدمغة [المواطنين الرقميين] بصورة مرنة في الحياة مقارنة بأدمغة الأفراد العاديين الذين ينتمون للأجيال السابقة، لن يُعاني الجيل الرقمى أوجه قصور معرفية بارزة خلال ممارستهم مهام متعددة، ودورانهم بسرعة عبر المهام الشخصية والمتعلقة بالعمل، وهم يتعلمون أمورًا أكثر ويبرعون في إيجاد أجوبة عن الأسئلة العميقة، الأمر الذي يرجع في جزء منه إلى أنّهم يستطيعون البحث بطريقة فعالة والوصول إلى الذكاء الجمعي عبر الإنترنت، فالتغيرات الحادثة في سلوك التعلم والإدراك عادة ما تنتج نتائج إيجابية.
في المقابل أظهرت بعض الدراسات أنه من السلبيات المرتبطة بهذا الجيل؛ إدمان وسوء استخدام وسائل التكنولوجيا، مما يؤثرعلى نموهم، ويعزز الرغبة لديهم في العزلة والأنانية والاستحواذ، وذكر بعض الدراسات أيضًا أنه تقدر مدة انتباه هذا الجيل بـ 8 ثوان فقط مقارنة بـ 12 ثانية لدى الجيل السابق، وأن 90% منهم يعانون من مشكلات في العين وبالصداع، كما يحذر الخبراء من احتمال أن يجعل العشق المتنامي للأجهزة قصة حب الأطفال والمراهقين للتكنولوجيا مدمرة لقدرتهم على التواجد بأفكارهم ومشاعرهم مع الآخرين، وربما تأتي على جزء مهم من مهاراتهم العاطفية، التي تلعب دورا في النجاح الأكاديمي والوظيفي، والقدرة على ربط علاقات اجتماعية ناجحة في مراحل لاحقة من العمر، ولن يتمكن الجيل الرقمي من الاحتفاظ بالمعلومات؛ فهم يقضون معظم طاقتهم في تبادل الرسائل القصيرة، والاستمتاع بالترفيه، كما يشتت انتباههم بعيدًا عن الانخراط العميق مع الناس والمعرفة. وهم يفتقرون إلى ملكات التفكير العميق؛ ويفتقرون إلى المهارات الاجتماعية المباشرة..
عليه فانه إذا أراد مهاجرو العصر الرقمي اللحاق بسكانه الأصليين فانه ينبغي عليهم أن يتغيروا فقد حان الوقت بالنسبة لهم أن يوقفوا تذمرهم ، للأسف ومهما كانت رغبات المهاجرين فليس من المحتمل أن يعود سكان العصر الرقمي الى الوراء ،ان هذا يناقض كل ما نعرفه عن الهجرة الثقافية ، أن الأطفال الذين يولدون في أى ثقافة جديدة يتعلمون اللغة الجديدة بسهولة ويقاومون بقوة استخدام اللغة القديمة .
ان الأذكياء من كبار المهاجرين هم الذين يقرون بأنهم لا يعرفون عن عالمهم الجديد فيستفيدون من أبنائهم لمساعدتهم في التعليم والاندماج في العالم الجديد أما غيرهم ممن لا يتمتعون بنفس الصفة أو المرونة من المهاجرين فهم الذين يقضون جل وقتهم يتغنون بجمال الحياة في “العالم القديم “.