يرتجف قلمي وأنا أكتب هذه الكلمات التي تعبر عما بداخلي عن هذا اليوم الملقب بعيد الأم الذي يجسد غصة لي ولكل رجل أو أمرأة أو شاب أو فتاة بلا أم أم عن الأطفال فالله لطيف بهم فهؤلاء فقدوا جنة الدنيا بالفعل فأمي كانت جنتي وهي ليست كأي أم.
لماذا لم تكن أمي كأي أم ؟ أقولها صريحة كانت أمي تقية نقية لم تفرق بيننا في التعامل فخلفت ورائها سبعة أولاد يسودهم المحبة المبنية عن الأحترام وصلة الأرحام وهذه هي النقطة الأولى ، أم النقطة الثانية فتتجسد في مسيرة عطاء لأمرأة ثلاثينية توفي زوجها وترك لها مسؤولية سبعة أبناء ولم تتخاذل ولم تتواني يوماً بل أخذت على عاتقها هذا الحمل الكبير وشرعت تقود مسيرتها نحو إنجاح مسؤليتها والوصول بأبناءها إلى بر الأمان ولأنها كانت أمية لا تجيد القراءة والكتابة فكان قرارها وهدفها أن يكون أبناءها من خريجي الجامعات وبالفعل جاهدت وكافحت حتى تخرجنا جميعا من الجامعة وكانت خير مثال وخير سند.
ولم تقف أمي عند حد الحث على التعليم بل كانت نموذجا جميلاً في صقل الشخصية فتجد هذه السيدة الأمية تمتلك ثقافة لا يمتلكها دكتور جامعي مما أكتسبتها أثناء خوضها مضمار الحياة فتجدها ناصحة أمينة ذات قرار حكيم بل معلمة ومحببة في الخير مما جعل منها أيقونة ورمزا للعطاء .
كل هذا جعل من حسن الختام حليفا لها فها هي تصاب بجلطة في المخ ينتج عنها فقد ذاكرة مؤقت ولا تتذكر شيئ إلا القرآن والصلاة فكانت إذا أذن المؤذن تصلي وإذا أقام الصلاة تصلي مرة أخرى يا لا العجب بالفعل من شب على شيئ شاب عليه ومن المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فها هي عاهدت الله على العبادة والطاعة وشاء الله أن لا تنسى عهدها حتى في مرضها وضربت أروع الأمثلة في ذلك عندما كانت في مرض الموت الذي مكثت فيه مغيبة أثنتا وعشرون يوما وكانت يداها تسبح حتي أن زوجتي جاءت تحادثها وقت آذان المغرب وهي في غيبوبتها وكانت المفاجأة أن أشارت إليها بعلامة التوحيد بمعنى أنها تصلي وهذا إن دل فإنما يدل على أن غياب وعيها كان مشروطا فهو غائب عن كل شيئ إلا عن العبادة والذكر الذين أهلوها لحسن الخاتمة اللهم أرحم أمي وكل الأمهات وصبر كل الذين لا يملكون جنة الدنيا.
زر الذهاب إلى الأعلى