محمد المنسى يكتب .. كورونا والباحث الصغير
الدكتور طارق شوقى، وزير التربية والتعليم، نتفق أو نختلف مع سياساته، هذا أمر من حق الجميع، ولكن هذا لاينفى أنه يسعى جاهدا لتنفيذ مشروع لتطوير التعليم في مصر، وقد أكون واقفا بين صفوف المختلفين مع بعض سياساته وتوجهاته، ليس لسبب شخصى بالطبع، وانما بسبب اختلافى معه فى أولويات التطوير أو ترتيب خطوات التطوير، ولى في ذلك أسباب، حيث أرى بداية بداية التطوير لابد ان تكون من البنية التحتية من معلمين ومدارس، وليس من المناهج والتابلت، وبالطبع لا انفى أهمية تطوير المناهج واستخدام التابلت، ولكن أرى ان الأولوية الآن هي سد العجز الكبير في عدد المعلمين وتأهليهم جيدا وكذلك سد العجز في عدد المدارس التى أصبحت تصل الكثافة فيها الى ٨٠ طالب في الفصل، فالمعلم والمدرسة هما أساس أي عملية تعليمية، ثم يأتي بعدهما أي خطوات من تطوير مناهج وطرق التدريس وإستخدام التكنولوجيا وغيرها.
ورغم موقفى هذا من سياسات وزير التربية التعليم الدكتور طارق شوقى، إلا أننى أيده تماما في فكرة مشروع البحث، الذى جاءت فكرته نتيجة انتشار فيروس كورونا، وفى الحقيقة لا أجد مبررا لإعتراض البعض عليه، لاسيما وان الوزير أعلن وشرح مرات عديدة عن هدف ذلك المشروع البحثى، موضحا انه يعد أحد أساليب التقييم للطلاب، وبالنسبة لطلاب سنوات النقل غير مطلوب منهم سوى التفاعل لإنجاز البحث بشكل مبسط في خطوات تم إعلانها، وهى بالمناسبة خطوات بسيطة على أي طالب يريد التعلم.
وهنا أرى ان “رب ضارة نافعة”، فقد تكون تلك الخطوة بمثابة إنجاز يحدث نتيجة كورونا، فكلنا لدينا تحفظات على أنظمة التعليم السابقة وما شهدتها من تجارب لم تأتى بنتائج مرجوة، وأغلب تلك التحفظات تدور حول أسلوب التعليم القائم على الحفظ والتلقين، وما نتج عنه من سلبيات كبيرة في مراحل التعليم المختلفة والتي أثرت على التعليم الجامعى أيضا، وكلنا نطالب بتغيير ذلك الأسلوب الى أسلوب الفهم والبحث ليكون لدينا خريج واعى وفاهم وقادر على الابداع في أي مجال عمل.
وبالتالي، فما المانع من تطبيق ذلك المشروع البحثى، كأحد طرق تطوير النظام التعليمى، لنقيم فيما بعد نتائجه وسلبياته.
وهنا أسأل المعترضين والغاضبين من تلك الفكرة، سواء كان ولى أمر أو معلم أو خبير تعليمى كما يطلق على نفسه،:
ماهو الضرر الواقع عليك أو على نجلك من وراء تطبيق ذلك النظام؟، وما الكارثة التي ستلحق بنجلك الطالب في أي صف من صفوف النقل من وراء محاولته البحث عن المعلومات؟، ولماذا تخاف من قيام نجلك بتنفيذ ذلك البحث، في الوقت الذى تضمن فيه نجاح نجلك وانتقاله للصف التالى بمجرد محاولته انجاز البحث؟، وهل سيرضيك ان يتم إعلان نجاح نجلك من الأن منتظرا العام الدراسى المقبل؟
وهناك سؤال هام اخر، وهو لماذا يحرص وزير التعليم على ذلك المشروع البحثى، في حين انه كان من الأسهل له كوزير ان يعلن انتهاء العام الدراسى مثلما فعلت عدد من الدول في ظل إجراءات مواجهة انتشار فيروس كورونا؟ ” بالطبع كان ممكن يكبر دماغه” ولكنى أراه حريص على انتهاز الفرصة لنشر فكرة البحث العلمى التي هي أساس المعرفة والتعلم.
بصراحة، لا أجد مبرر لهؤلاء المعترضين، سوى ان الإعتراض هو شعارهم، لاننى أرى ان مجرد حث نجلى على البحث في الوسائل المتاحة له من كتب ومنصة تعليمية او بنك المعرفة، ليتعلم أبسط مناهج البحث العلمى دون ان يكون ذلك تحت ضغط التقييم الحقيقى بالفشل أو النجاح، بمعنى ان من يعد بحثا سيئا لن يكون مصيره الرسوب.
كما لا أجد مبررا، لأولياء الأمور، الذين يتركون نفسهم فريسة سهلة للمتربصين لهم والمستغلين من أصحاب مراكز الدروس الخصوصية، الذين يحاولون إيجاد دورا لهم في تلك المنظومة الجديدة، ليتربحوا من إعداد تلك المشروعات البحثة وبيعها للطلاب ” ديلفرى” حتى لايمنحوا للطلاب فرصة محاولة البحث والإعتماد على أنفسهم، وبالتالي يكون هناك حاجة دائمة لهم. ولكن للأسف لن يخسر هنا سوى الطالب الذى لن يحاول انتهاز الفرصة.
في النهاية، أرى ان فكرة المشروع البحثى، فرصة جيدة علينا انتهازها، لتدريب أبناءنا على تعلم خطوات البحث، كوسيلة تعليم، لعلها تكون بداية حقيقة للقضاء على حيتان الدروس الخصوصية الذين يستغلون سوء النظام التعليمى وعدم الاهتمام بالتعليم داخل المدارس. دعونا ننتهز الفرصة ونصنع باحث صغير.