المرأة المصرية .. مائة عام من الوطنية
قدمت المرأة المصرية طوال تاريخها الكثير من أجل الوطن، وسجل التاريخ نضال نساء مصر الطويل من أجل الحرية والاستقلال والحصول على المساواة والحقوق فى التعليم والعمل، وتمثل الفترة من 1919 – 2019 حقبة هامة فى سجل نضال المرأة “ضمير الوطن”، فهى سنوات تحكى تاريخ، وتروى قصة مائة عام من الوطنية، حيث شكلت ثورة 1919 في «المحروسة» لحظة فاصلة في التاريخ المصري المعاصر لما أنجزته لاحقا من تحولات جذرية على المستويين السياسي والاجتماعي، فكانت ثورة 1919 هي الشرارة الأولى التي تحررت بها المرأة واقتحمت بها الحياة السياسية والكفاح من أجل الوطن، وتصدرت المشهد الكثير من المناضلات أمثال هدى شعراوى وصفية زغلول وسيزا نبراوى، والآن وبعد مرور ما يقرب من قرن على ثورة 1919 عادت المرأة المصرية لتقوم بنفس الدور الذى قامت به من قبل وتتصدر الصفوف وتساند وطنها لتفتح صفحة جديدة من التاريخ المصرى فى ظل قيادة سياسية واعية، مما يؤكد علي استمرارية الدور التاريخي للمرأة ومدي مساندته للقضايا الوطنية منذ القدم وحتي الآن.
فقد شهدت السنوات الماضية منذ تولى الرئيس عبد الفتاح السيسى الحكم تقدما هائلا في ملف نصرة المرأة وحصولها على حقوقها كاملة، عبر العديد من الامتيازات غير المسبوقة، وخاصة بعد إعلانه عام 2017 عاماً للمرأة، وإطلاق إستراتيجية تمكين المرأة 2030 والتي أعلنتها الأمم المتحدة كأول إستراتيجية لتمكين المرأة منبثقة من إستراتيجية التنمية المستدامة 2030، كذلك تولى المرأة المناصب القيادية، فضلا عن التعديلات الدستورية المقترحة لصالح المرأة، على المادة 102 من الدستور، والتى تستهدف ترسيخ تمثيل المرأة فى مقاعد البرلمان وأن يكون لها حصة محجوزة دستوريا لا تقل عن الربع .
هذا ويعد وضع المرأة اليوم والمكاسب التي نالتها أبرز دليل على مدى إدراك الدولة لأهمية المرأة كعامل قوي لتحقيق التغيير الإيجابي من خلال تعزيز تمكينها اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا للمشاركة في البناء ودفع عجلة التنمية .
1919 .. صوت المرأة ثورة
شاركت المرأة المصرية فى ثورة ١٩١٩ بالخروج إلى الشارع، وكانت أول مظاهرة نسائية يوم 16 مارس، فاختير هذا اليوم ليكون يومًا رسميًا للاحتفاء بالمرأة حيث خرجت 300 سيدة، رافعات الأعلام المصرية، معربات عن تأييدهن للثورة واحتجاجهن على نفي زعيم الأمة سعد زغلول، وتوجهت المظاهرة إلى بيت الأمة، ولكن حاصرهن الجنود الإنجليز وتصدوا لهن، وسقطت الشهيدات : شفيقة محمد ونعيمة عبد الحميد، وحميدة خليل، وفاطمة محمود، ونعمات محمد، وحميدة سليمان، ويمنى صبيح، مما أدى إلى امتداد الثورة في كافة أنحاء البلاد.
ويحكى التاريخ أن شفيقة محمد توجهت مع النساء المشاركات فى المظاهرة إلى مقر المعتمد البريطاني أنذاك “ملن سيتهام” وعند اقترابهن من المقر، حاصرهن العساكر الإنجليز بالبنادق لردعهن وإجبارهن على الابتعاد، فى الوقت الذى وقف فيه المعتمد البريطانى يراقبهن مندهشاً من إصرارهن وجرأتهن أمام البنادق فى ظل صورة مضللة تكونت لديه عن المرأة المصرية المتخفية خلف البرقع .
وعلى غير توقع اندفعت “شفيقة” نحو المعتمد البريطاني القائم بأعمال المندوب السامي وهي تحمل العلم المصري في يد وبيان الاحتجاج في اليد الأخرى، وقبل أن تعود لصفوف التظاهرة تلقت الرصاصات لتسقط على إثرها أول شهيدة فى ثورة الحرية، وقد تحدثت عنها السيدة هدى شعراوى فى مذكراتها وقالت “لن أنسى الأثر المحزن الذى أحدثه ضرب أول شهيدة مصرية السيدة شفيقة بنت محمد فى نفوس الشعب عامة وقد تجلى ذلك فى تشييع جنازتها التى اشتركت فيها كل طبقات الأمة حتى صارت جنازتها مظهراً من مظاهر الوطنية المشتعلة”.
كانت ثورة 1919 هي الشرارة الأولى التي تحررت بها المرأة واقتحمت بها الحياة السياسية والنضال الوطني واستمرت “هدى شعراوي و”صفية زغلول “أم المصريين” في حمل لواء النضال من أجل تحقيق الحرية للشعب المصري من الاحتلال الإنجليزي، وجاء ذلك في بيان صفية زغلول الذي ألقته سكرتيرتها بعد أن قامت قوات الاحتلال باعتقال زعيم الأمة سعد زغلول أمام المتظاهرين .
وجاء نص البيان “إن كانت السلطة الإنجليزية الغاشمة قد اعتقلت سعدًا ولسان سعد فإن قرينته شريكة حياته السيدة صفية زغلول تُشهد الله والوطن على أن تضع نفسها في نفس المكان الذي وضع زوجها العظيم نفسه فيه من التضحية والجهاد من أجل الوطن، وأن السيدة صفية في هذا الموقع تعتبر نفسها أمًا لكل أولئك الأبناء الذين خرجوا يواجهون الرصاص من أجل الحرية”،
وبعد أن ألقت السكرتيرة هذا البيان على المتظاهرين هتف أحد قادة المظاهرة قائلاً: «تحيا أم المصريين»، ومن يومها اكتسبت السيدة صفية زغلول ذلك اللقب الوطنى أم المصريين.
الرافعى يصف الثورة
وصف «الرافعى» مشهد المظاهرة النسائية قائلا: «خرجت المتظاهرات فى حشمة ووقار، وعددهن يربو على الثلاثمائة من كرام العائلات، وأعددن احتجاجاً مكتوباً ليقدمنه إلى معتمدى الدول، طالبن فيه بإبلاغ احتجاجهن على الأعمال الوحشية، التى قوبلت بها الأمة المصرية، ولكن الجنود الإنجليز لم يمكِّنوا موكبهن من العبور، فحين وصلت المتظاهرات إلى شارع سعد زغلول (ضريح سعد زغلول حالياً)، قاصدات بيت الأمة ضربوا نطاقا حولهن ومنعوهن من السير، وسددوا حرابهم إلى صدورهن، وبقين هكذا مدة ساعتين تحت وهج الشمس الحارقة، بل تقدمت هدى شعراوى وهى تحمل العلم المصرى إلى جندى، وقالت له بالإنجليزية «نحن لا نهاب الموت، أطلق بندقيتك إلى صدرى لتجعلنى مس كافيل أخرى، فخجل الجندى، وتنحى للسيدات عن الطريق وجعلهن يعبرن، و”مس كافيل” ممرضة إنجليزية، أسرها الألمان فى الحرب العالمية الأولى وأعدموها رمياً بالرصاص، وكان لمقتلها ضجة كبيرة فى العالم .
سعد زغلول .. “لتحيا السيدة المصرية”
اعترف الزعيم سعد زغلول بشجاعة المرأة ودورها في ثورة 1919 قائلا بعد عودته من المنفى : “لتحيا السيدة المصرية”، وفى عام 1920 تشكلت لجنة الوفد المركزية للسيدات من هدى شعراوي، وإحسان القوصي، وفكرية حسن، وروجينا خياط، وإستر ويصا، وجميلة عطية، ووجيدة ثابت، وفهيمة ثابت للمطالبة بإنشاء الاتحاد النسائى المصرى والذى تأسس فى 16 مارس عام 1923على يد السيدة هدى شعراوى، وفى عام 1924 أصدرت نساء مصر بيانا تاريخيا لمقاطعة لجنة ملنر، وفى 1925 قدم الاتحاد عريضة إلي رئيسي مجلس الشيوخ والنواب مطالباً بتعديل قانون الانتخاب بما يضمن مشاركة النساء في الحقوق الانتخابية، وكانت النساء قد قمن في حفل افتتاح البرلمان في مارس 1924 بتقديم طلب لحضور هذا الحفل، وحملن لافتات كتب عليها:”احترموا حقوق نسائكم“، تطلب منح النساء حق الانتخاب، ولما أصرت النساء على مطلبهن لحضور جلسات البرلمان، تم تخصيص مقصورة لهن عام 1925 ثم مقصورتين، ثم تبع ذلك إعلان البرلمان بأنه سيناقش بالفعل حق المرأة في التصويت أثناء انعقاد جلساته.
فاطمة راشد تنشئ أول حزب نسائى
فى عام 1938 عقد أول مؤتمر نسائى عربى فى القاهرة وأسست فاطمة راشد أول حزب سياسي للمرأة تحت اسم الحزب “النسائي المصري” عام 1942 كما تأسس الاتحاد النسائى العربى فى القاهرة عام 1944 وطالب الاتحاد النسائي المصري في عام 1947 بضرورة تعديل قانون الانتخاب بإشراك النساء مع الرجال في حق التصويت وضرورة أن يكون للمرأة جميع الحقوق السياسية وعضوية المجالس المحلية والنيابية وتأسس “اتحاد بنت النيل” برئاسة درية شفيق عام 1949 ، ودعا الى تعديل القوانين من أجل دعم مكانة المرأة فى المجتمع، وكان أول تنظيم نقابي خاص بالعاملات المصريات عام 1946 هو”رابطة عاملات القطر المصري“، للدفاع عن حقوق المرأة العاملة، والمطالبة بتحسين ظروف العمل للمرأة، لمساعدتها على تحقيق التوازن بين دورها الأسري ودورها في العمل والإنتاج، وفي 12مارس 1953اعتصمت مجموعة من سيدات حزب “بنت النيل” في مبني نقابة الصحفيين واضربن عن الطعام مطالبات بحقوق المرأة السياسية كاملة، وإنطلاقاً من هذه الجهود بدأت النخبة السياسية تلتفت إلي مطالب المرأة.