المؤتمر السنوي الدولي لمعهد التخطيط القومي يختتم فعالياته

 بإصدار توصياته التحديات والحلول في القطاع الصحي

 

كتبت هدي العيسوي
واصل المؤتمر السنوي الدولي لمعهد التخطيط القومي تحت عنوان “الصحة والتنمية المستدامة”، فعاليات يومه الثاني اليوم والتي أختتمها الدكتور أشرف العربي بإعلان التوصيات، والمؤتمر نظمه معهد التخطيط القومي بالتعاون مع كل من مشروع الحوكمة الاقتصادية الممول من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) وكلية الشؤون الدولية والعامة (SIPA) بجامعة كولومبيا. وأقيم المؤتمر على مدار يومين 24 -25يونيو الجاري بالقاهرة.
وناقش المؤتمر الروابط المتبادلة بين الحوكمة والصحة والتنمية المستدامة على ثلاثة محاور رئيسية، وهي تعزيز إصلاح الحوكمة الاقتصادية، وتحسين التطوير المؤسسي وقدرات الإدارة العامة، وتطوير وتنفيذ نماذج جديدة لتقديم الخدمات.
وتواصلت فعاليات اليوم الثاني والذي بدأ بجلسة التمويل والاستثمار في القطاع الصحي: منظور متعدد القطاعات والتي أدارها الدكتور حسام بدراوي الأستاذ بكلية الطب جامعة القاهرة والرئيس الأسبق للجنة التعليم والبحث العلمي بالبرلمان المصري، وتحدث فيها كل من الأستاذ شريف سامي الخبير المالي ورئيس مجلس إدارة الشركة الوطنية لإدارة الأصول والاستثمار، وعضو مجلس إدارة الهيئة العامة للتأمين الصحي الشامل، والدكتور سامح السحرتي رئيس برنامج التنمية البشرية بدول مجلس التعاون الخليجي، البنك الدولي، والتي عرض فيها ورقة عمل بعنوان “بناء مجتمعات صحية مستدامة من خلال الاستثمار في الصحة العامة” والتي قدمها المتحدثون الأستاذ الدكتور مايكل سبارير، والأستاذ نويا وو، والأستاذ دكتور ويليام إيميك، والتي عقبت عليها الأستاذة الدكتورة هبة نصار أستاذ الاقتصاد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة، ونائب رئيس جامعة القاهرة الأسبق.
وقد تحدث دكتور سامح السحرتي قائلًا: “مُستَقبِل الخدمة دائماً يريد تحسين الأداء أما المؤمن على الخدمة فيهمه تقليص الإنفاق، هناك من يظن أن نظام التأمين الصحي سيرفع من مستوى الصحة ويرسخ استدامة التأمين لكنه لا يتحدث عن جودة الخدمة، لذا من المهم أن نوضح أن هناك استدامة في الخدمة وتحدي كبير في جودة الخدمة المقدمة، مشكلتنا الأساسية تقلص النمو الاقتصادي مما ينعكس على الوضع الصحي فتذهب الاستثمارات الصحية إلى القطاع الخاص دون القطاع العام.”
ووجه دكتور السحرتي توصيات كان أهمها: أن أهم ما يجب العمل عليه هو كيفية الحد من التضخم والعجز في الموازنة وخلق مناخ تنافسي في الناحية التمويلية، وفصل مقدم الخدمة عن مصدر التمويل بحيث يكون هناك استدامة تمويل.
وقد أعطى الأستاذ الدكتور مايكل سبارير الاستاذ بكلية الشؤون الدولية والعامة (SIPA) بجامعة كولومبيا، بعض التوصيات للقادة في مصر منها: استخدام برنامج 100 مليون صحة كنموذج لتعزيز نظام الصحة العامة في البلاد، ويحتاج النظام الصحي بشكل عام على الاعتماد بدرجة أقل على المدفوعات من الأموال الخاصة، ويجب أن يكون هناك قيادة مركزية أكبر في أزمة الصحة العامة، كما يجب أن يكون هناك أدوات اقوى لتحدي المعلومات الخاطئة التي تحركها وسائل التواصل الاجتماعي.
وعلى ذات الصعيد، تحدثت دكتورة هبة نصار استاذ الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة عن أهمية رفع الصحة كأولوية قائلة: “إذا كان لابد أن أتحدث عن الاستثمار في الصحة فيجب أن نرفع الصحة كأولوية أساسية في الموازنة العامة للدولة، ويجب أن نربط تمويل الحكومة مع أولويات الحكومة ، فإذا كان لدينا مجالات نقوم بالإنفاق عليها لأن القطاع الصحي هو الأولى والأهم، ولن يتم ذلك إلا بوجود تعاون قوي وواضح وتكافل بين جميع الوزارات للحصول على تغطية صحية شاملة، ومن المهم جداً أن يكون هناك دعم سياسي للقطاع الصحي، فنجاح مبادرة 100 مليون صحة حدث لأنها حصلت على التأييد والدعم السياسي القوي”. ومن جانبها أوصت بضرورة تكافل الوزارات وخلق مناخ من التعاون فيما بينهم للنهوض بالتغطية الصحية الشاملة للمواطنين، وزيادة الدعم السياسي للصحة والاستثمار فيها، وأن تكون الصحة أولوية في بنود الموازنة المالية للدولة.
ثم جاءت الجلسة الثانية بعنوان “تعزيز استدامة ومرونة قطاع الصحة في مصر: الإصلاحات الحديثة وخارطة الطريق” والتي ترأسها الأستاذ دكتور محمود المتيني الأستاذ بكلية الطب جامعة عين شمس، ورئيس جامعة عين شمس السابق وتحدثت فيها الدكتورة منى جوهري عن ورقة بحثية بعنوان “الرعاية الصحية الخضراء: تعزيز الاستدامة في الرعاية الصحية عن طريق دمج معايير الأداء المستدامة – نموذج لبطاقة الأداء المتوازن المستدامة (SBSC) للمستشفيات الخاصة في مصر.” وجاء فيها “يجب أن يكون هناك توازن بين التدابير المالية وتقديم الخدمة الصحية وكيف نقدمها وما هو دور العملاء ومتلقي الخدمات الصحية في رفع كفاءة الاداء الصحي، واضافت “ليست الموارد المادية فقط هي العامل الأساسي ولكن الموارد البشرية وتنمية المهارات لدي الكوادر وقياس مدى مهارتهم وكفاءتهم في المستشفيات، المستشفيات ليست فقط آلات ومعدات ولكن هيئة تمريض وأطباء وجهاز إداري، لذا فمتابعة وقياس أداء الأطقم البشرية هو ما سيقود للاستدامة التي نسعى إليها، يجب تحديد الاستدامة بالأرقام عن طريق نماذج تحليلية لتقييم أهمية دمج تدابير الاستدامة مع الاجراءات الداخلية مما يعزز من نظم الاستدامة ومرونة القطاع الصحي في مصر”. وقد أوصت الدكتورة منى بأنه يجب قياس مدى رضاء مستخدمي الخدمات بمقاييس رقمية، وأن يكون التقييم من 1:6 هو نظرة سلبية بينما 7:8 هو شخص غير مهتم، و10 هو شخص إيجابي يمكن أن يرشح المستشفى لأشخاص آخرين.
كما تحدث الأستاذ دكتور مؤنس الششتاوي عن ورقة بحثية بعنوان “خارطة طريق ثلاثية المستويات للتغلب على التحديات الصحية في مصر” قائلا: “من أهداف التنمية المستدامة الوصول لهؤلاء الذين لم يشملهم التأمين الصحي، لذلك تقوم منظمة الصحة العالمية برصد التقدم المحرز في تحقيق التغطية الصحية الشاملة، وقد اشتمل النظام الصحي في مصر على قطاعين عام وخاص ورغم ذلك فإن النفقات الشخصية للأفراد على العلاج الصحي يصل ل 55% من أجمالي انفاق الأسر على العيادات الخاصة والأدوية، وبأجراء الدراسات وجدنا ان عدد المستشفيات العامة زاد عن 2011 بنسبة 3% فقط وتمثل المستشفيات الخاصة نسبة 63% من إجمالي المستشفيات الموجودة في مصر، هذا بخلاف الاعداد الكبيرة المتوفرة من الوحدات الصحية والتي لا تقدم خدماتها كما ينبغي نظراً لنقص الموارد المادية.” ولقد أوصى دكتور مؤنس بالآتي: اتاحة جميع الخدمات الصحية لجميع السكان بأقل تكلفة، تعزيز خدمات الرعاية الصحية وتحديث البنية التحتية للرعاية الصحية، وتنمية القوى العاملة الصحية ونشر برامج تدريبية لمتخصصي الرعاية الصحية مع الحفاظ على الكوادر الماهرة داخل البلاد، والاستعداد للاستجابة في حالات الطوارئ واعداد وتحديث بروتوكولات الاستجابة لحالات الطوارئ وتدريب العاملين عليها.
كما تحدث الأستاذ دكتور محمد حسن خليل عن ورقة بحثية بعنوان “تطور الرعاية الصحية في مصر في العشرية (2014 – 2024)” فقال: “صدر دستور يناير 2014 بحق كل مواطن في الصحة والتزام الدولة بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومي على الصحة لا تقل عن 3% من الناتج القومي تتصاعد تدريجياً، وتلتزم الدولة بإقامة نظام تأمين صحي شامل لجميع المواطنين المصريين يغطي كل الأمراض بالإضافة إلى تحسين حالة الأطباء، وقد تم تطوير الرعاية الصحية وإن لم يصل للتطور الصحي العالمي حيث بلغ حجم الانفاق الكلي على الصحة بنسبة 5% من الناتج المحلي في حين أنه يصل ل10% عالمياً، في حين بلغ حجم الانفاق الشخصي على الصحة 70% في مصر نظراً لتدهور القطاع الصحي الذي لا يحصل إلا على نسبة من 4:5% من موازنة الدولة ومن 1:2 من إجمالي الناتج المحلي مما جعل الإنفاق الصحي يمثل عبء على المواطن “.
وقد عقب عليهم كل من الأستاذة دكتورة مديحة خطاب الأستاذ بكلية طب قصر العيني، جامعة القاهرة، والأستاذ دكتور مايكل سبارير الأستاذ بكلية الشئون الدولية والعامة، جامعة كولومبيا.
وفي ختام المؤتمر قام الأستاذ الدكتور أشرف العربي رئيس معهد التخطيط القومي بإلقاء الملاحظات الختامية للمؤتمر والتي جاء فيها أن الصحة ركيزة أساسية للتنمية المستدامة، وتعدد ذلك في عدد من النقاط وهي: تواجه الصحة اليوم تحدياتٍ أكثر الحاحًا من أي وقت مضى، مما يتطلب اتخاذ خطواتٍ جادةً لمواجهتها، وتُعدّ الصحة ركيزةً أساسيةً للتنمية المستدامة، حيث تؤثر على مختلف جوانبها بشكلٍ مباشر وغير مباشر، وتؤثر صحة الفرد والمجتمع على معدلات الفقر، والجوع، ونوعية التعليم، والنمو الاقتصادي، واللامساواة، والتغير المناخي، وتحقيق التنمية الصحية تتطلب نهجًا شاملًا يتعاون فيه مختلف الشركاء، بما في ذلك الحكومات والمنظمات الدولية والقطاع الخاص والمجتمع المدني، وتُعدّ حوكمة القطاع الصحي عنصرًا أساسيًا لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، حيث تضمن استخدام الموارد بكفاءة وفعالية، وتحسين جودة الخدمات الصحية، وتعزيز المساءلة والشفافية، ويُعدّ الإنفاق على القطاع الصحي استثمارًا ذو عائدٍ مرتفع من الناحيتين الاقتصادية والتنموية.
وللصحة أثر اقتصادي يتمثل في: زيادة الإنتاجية، وخفض تكاليف الرعاية الصحية: في المدى الطويل، وتحسين مشاركة القوى العاملة، وتحفيز النشاط الاقتصادي، وأثر بيئي يتمثل في: إدارة مخاطر الصحة البيئية، والبيئة الصحية والمجتمع الصحي، وأثر اجتماعي يتمثل في: الاستقرار والتماسك الاجتماعي، والمشاركة المجتمعية والتعليم وسوق العمل، ومجتمعات قوية وقادرة على الصمود.
أما عن التحديات التي تواجه القطاع الصحي فهي نقص التمويل: على الرغم من التطورات في تكنولوجيا الرعاية الصحية وازدياد الإنفاق عليها، إلا أن لا تزال هناك فجوة كبيرة في تمويل الخدمات الصحية، مما يُعيق تحقيق المساواة في الحصول على رعاية صحية جيدة، والتحديات السكانية: قضية الزيادة السكانية من القضايا الحاكمة في التنمية المستدامة، فالنمو السكاني السريع يجعل أهداف التنمية المستدامة أكثر تحديًا، ونقص الكوادر البشرية المؤهلة: وهجرة الكوادر الطبية الماهرة إلى الدول المتقدمة.
كما أشار إلى إنجازات مصر في مجال الصحة والتي تتلخص في: الإنجاز الأول تحسن ملحوظ في مؤشرات الصحة العامة: شهدت مصر تحسنًا ملحوظًا في مؤشرات الصحة العامة خلال السنوات الماضية، بما في ذلك انخفاض معدلات وفيات الأطفال والأمهات، ومعدل الخصوبة، ومعدلات نمو السكان، والإنجاز الثاني نهج تنموي شامل لتخفيض معدل نمو السكان: تتبع الدولة نهجًا تنمويًا شاملًا يشمل تحسين التعليم، وتمكين المرأة، وتعزيز التنمية الاقتصادية، بالإضافة إلى برامج تنظيم الأسرة، أما الإنجاز الثالث فهو توسيع تقديم الخدمات الصحية: تم إطلاق العديد من المبادرات لتحسين الصحة العامة، مثل مبادرة “الحياة كريمة” والقضاء على فيروس سي: نجحت مصر في تحقيق إنجاز تاريخي بالقضاء على فيروس سي من خلال علاج 4.1 مليون مواطن، والإنجاز الرابع التأمين الصحي الشامل: تم إطلاق التأمين الصحي الشامل بهدف ضمان حصول جميع المواطنين على الرعاية الصحية الجيدة، وذلك سيساهم في تعزيز صحة ورفاهية المواطن، والحد من الفقر، وتحقيق المساواة الاجتماعية.
وعن آليات تحقيق أهداف التنمية المستدامة في القطاع الصحي في مصر استعرض الآتي: تعزيز الحوكمة في القطاع الصحي، الاعتماد على النهج القائم على الأدلة، ودعم البحث العلمي والابتكار في مجال الصحة، وتوفير الموارد وضمان تكافؤ الفرص في الحصول على الرعاية الصحية، والتركيز على كفاءة الإنفاق يساهم في تحسين الحيز المالي، والاعتماد على مصادر التمويل المبتكرة لضمان استدامة التمويل لوصول إلى التغطية الصحية الشاملة، وتبني الاهتمام بالرعاية الصحية الأولية كمحرك أساسي لتحقيق التغطية الصحية الشاملة ومن ثم أهداف التنمية المستدامة، وتحفيز مشاركة القطاع الخاص وإزالة المعوقات أمام تلك المشاركة، وتطوير البنية التحتية من خلال تحديث وتوسيع البنية التحتية للرعاية الصحية، مع التوسع في إنشاء مراكز الرعاية الحية الأولية، والاستفادة من الخبرات العالمية في مجال الرقمنة الصحية وتطويع التكنولوجيات البازغة لتحسين كفاءة النظام الصحي، وتعزيز التعاون وبناء الشراكات بين مختلف الجهات المعنية مع تحديد أولويات التدخل، وتشجيع مشاركة المجتمع من خلال إنشاء الهياكل المجتمعية، وتمكين المرأة والشباب ومشاركتهم في الأنشطة الصحية المجتمعية التطوعية، وأهمية توافر البيانات لرصد التقدم والمتابعة والتقييم لمختلف الإجراءات والنتائج من أجل تعزيز السياسات والبرامج الصحية، كل ذلك يدعوا إلى ترتيب الأولويات واتباع نهج التفكير التحويلي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى